مع اقتراب نهاية أيلول سبتمبر الجاري، بدا المشهد في الضاحية الجنوبية مختلفاً إلى درجة كبيرة. تغيّرت معالم الضاحية المكتظة، مع ظهور مساحات واسعة خالية بين مبانٍ سليمة وأخرى متضرّرة من القصف الإسرائيلي. وظهرت أيضاً جبال من الأنقاض المتراكمة في أكثر من مكان: منطقة طريق المطار، بمحاذاة مطار رفيق الحريري الدولي، وخلدة، قرب مسبح الكوستا برافا. ويؤكّد المتعهد إزالة الأنقاض من الضاحية الجنوبية خليل العرب أن هذه الأماكن حُدّدت من قبل وزارة النقل والأشغال العامة ومديرية الطيران المدني. ويشدّد على أن الردم يوضع في منطقة بعيدة من البحر، خلافاً لما أثير في وسائل الإعلام. ويقضي عقد الاتفاق المبرم بين الدولة اللبنانية ممثلة بپ"الهيئة العليا للإغاثة"، وشركة"الجهاد للتجارة والتعهدات"الممثلة بالمتعهّد خليل العرب، رقم 355، بتاريخ 28 آب اغسطس 2006، في المادة السابعة، بپ"إزالة الأنقاض من جراء العدوان الاسرائيلي خلال 120 يوماً من تاريخ اعطاء المتعهد امر المباشرة بالعمل، وفي حال التأخر في تنفيذ الأعمال يتحمل جزاء وقدره 500 دولار اميركي عن كل يوم تأخير". وبعد أقل من شهرعلى توقيع هذا العقد انقلب المشهد في الضاحية الجنوبية، ويؤكد العرب أن حوالي 60 في المئة من الركام أُزيلت، ويتوقّع أن يتم الانتهاء من العمل في نهاية الشهر الجاري. الكم الهائل من الأنقاض الموجود في مناطق الضاحية، دفع بالمتعهد إلى تلزيم العمل إلى متعهدين آخرين، ويشرح العرب:"نقوم بإزالة ما يقارب نصف الأنقاض، وفي ما يختص بالنصف الآخر نتعاون مع متعهدين آخرين، وبعضهم ممن تضررت أعمالهم، ما يجعل وتيرة العمل أسرع، لا سيما مع التمنيات من"حزب الله"والأهالي بإتمام هذه العملية في أسرع وقت ممكن". 550 آلية تعمل يومياً في أحياء الضاحية، لا يحد من سرعة عملها، إلاّ محاولة أصحاب المنازل المدمّرة ايجاد بعض مقتنياتهم. ويخرج من شوارعها إلى المكبّات بين 2200 وپ2300"نقلة"يومياً، بحسب خليل العرب، الذي يُقدّر كمية الأنقاض التي أُزيلت حتى الآن بحوالي 700 ألف متر مكعب. السرعة في العمل تلقى استحساناً لدى المعنيين، وفي شكل خاص جمعية"جهاد البناء"التابعة لپ"حزب الله". استحسان يُخصّ به المتعهّد، ولا يحول دون توجيه ملاحظات إلى الحكومة، عند السؤال عن التفاصيل. ويقول مدير عام"جهاد البناء"، قاسم علّيق:"كان التركيز على إزالة هذه الانقاض بأكبر سرعة ممكنة، قبل بدء فصل الشتاء، بهدف تفادي كارثة بتسرب محتوياتها الى المياه الجوفية". ويؤكد علّيق أن مهمتهم كجمعية"تنحسر بالتنسيق مع المتعهّد وتسهيل عمله على الأرض، أمّا في ما يخص تحديد أماكن نقل هذه الأنقاض وغيرها فهي من مسؤولية المتعهد والحكومة في شكل خاص". ومع السؤال عن صحة رمي بعض هذه الأنقاض في البحر، يعلو صوت علّيق:"نحن مع البيئة، ونعمل بحسب الأصول، ولكن أحداً لا يتحمّل مسؤوليته". ويضيف بغضب:"على كل وزارة أن تتحمل مسؤوليتها في إعادة الإعمار، ولكننا لا نلمس أي جدية في العمل، الموظفون في الوزارات مستعدون للعمل ولكنهم بحاجة إلى موازنة، والموازنات موجودة ولكن لا قرار بصرفها". ولا يفصل علّيق عملية رفع الأنقاض عن الوضع السياسي القائم، ويوّجه الاتهامات إلى الحكومة ومن يُشكّلها من قوى 14 آذار"بأنهم خجولون من مواقفهم السياسية أثناء الحرب، ولذلك يعجزون عن اتخاذ القرارات العاجلة، بحثاً عن إرضاء أسيادهم الأميركان". الانتقادات التي يوجهها علّيق إلى الحكومة تتشعب لتطاول العقد الموقع مع المتعهّد المسؤول. فيقول:"المتعهد مشكور على جهوده، ولكن كيف تمّ توقيع هذا العقد، وهل جرت مناقصة لذلك؟". الإشارة إلى أن وزارة النقل والأشغال العامة مسؤولة إلى جانب الهيئة العليا للإغاثة عن توقيع هذا العقد ينفيها المدير العام للوزارة فادي النمّار. ويؤكد أن العقد أُبرم مع الهيئة العليا للإغاثة، وأن مسؤولية الوزارة محدودة في رفع الأنقاض من المناطق. وعن الآليات العاملة في الضاحية الجنوبية التي تحمل ملصق باسم الوزارة يقول النمّار:"اسمنا في هذه العملية يستخدم كراعٍ. ولكننا نتابع فقط قضية الجسور والطرق. في حين تتولى لجان خاصة من الحكومة والهيئة العليا للإغاثة تلك المهمّة". تساؤلات عدّة وشكوك أثيرت حول توقيع العقد مع المتعهّد العرب، حتى وصلت ببعض وسائل الإعلام إلى تكهن قيمة العقد، ونشر معلومات عن أن تكلفة إزالة ورفع أنقاض الأبنية المهدّمة بلغت 20 دولاراً أميركياً للمتر المكعب الواحد. وهو ما نفاه الأمين العام للهيئة اللواء يحيى رعد، عبر إبراز العقد، الذي تشير المادة الخامسة منه إلى أن تكلفة المتر المربع الواحد هي 9 دولارات أميركية لا غير. وهو ما أكّده بعض المقاولين العاملين مع العرب الذي لزمهم المتر المربع الواحد بأسعار تتراوح بين 7 و8 دولارات، وأشاروا إلى أن المقاولين التابعين لپ"حزب الله"التزموا ب 9 دولارات. من جهة ثانية، يوضح رعد أن عملية توقيع العقد، جاءت وفقاً للظروف، إذ أن مهمة الهيئة العليا للإغاثة إيجاد الحلول السريعة، تفادياً للوقوع في المعاملات الروتينية. وعن غياب أي مناقصة لهذا العقد، يقول رعد:"من غير المنطقي أن أدعو إلى مناقصة، فهذه الإجراءات تتطلب شهوراً. ومهمتنا تقضي أن نتحرك سريعاً بشرط أن تكون الأسعار منخفضة نسبياً وغير انتهازية وهو ما ينطبق على هذا العقد". ونشر العقد لم يحل دون ملاحظات عدة، أبداها أكثر من طرف، ومنها السرعة القصوى التي تمّ فيها توقيع هذا العقد إذ أن توقيعه تم في 24 آب أغسطس وتسجيله في وزارة المالية في 28 من الشهر نفسه. ويضيف المراقب رافضاً الكشف عن اسمه:"يشير العقد بخط اليد الى أنه تم استيفاء الرسوم المالية، في حين ان العقد لا يحمل إلا طوابع مالية بقيمة 5 آلاف ليرة لبنانية". ويتساءل:"أيعقل أن تكون هذه قيمة رسوم عقد بملايين الدولارات"؟ بدوره، يرى وزير البيئة يعقوب الصرّاف أن المشكلة التي أثيرت على العقد نابعة من إنعدام الشفافية ويتساءل:"لماذا لم يتم توقيع عقد رضائي بالتراضي مع أكثر من متعهّد؟ الضرر طاول الجميع، والأكثرية تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً. كان يجب أخذ هذا الأمر في الاعتبار، كأن تستدعى نقابة المقاولين ويطرح عليهم السعر ومَن يناسبه العرض يباشر بالعمل". وعن الحلول المقترحة لمعالجة هذه الأنقاض يشرح الصرّاف:"تختلف الأنقاض في الضاحية الجنوبية بطبيعتها عن تلك التي خلّفها العدوان في قرى الجنوب، وبالتالي هي لا تصلح لإعادة البناء، كما هو الحال في الجنوب، إذ يمكن إعادة إستخدام الباطون لتقطيع داخل المباني بعد إعادة تصنيعه إلى أحجار خفّان". ويضيف:"المواد المستخدمة في البناء في الضاحية، غير معروفة، وبالتالي يصعب إعادة إستخدامها لاسيما في البناء العمودي. من هنا، وبعد فرز الأخشاب والحديد والزجاج من المكبّات، سوف تستخدم هذه الأنقاض في عمليات ردم". ويشرح:"الأبنية في الجنوب تصلح لردم الكسارات والمقالع، وهو ما نراه الخطة المثلى. ويؤكد الصرّاف ان المكبّات المستحدثة، آنية، وأن إزالتها ستحصل خلال سنة، إذ أن معالجتها ستتم تباعاً، لا سيما بعد إقامة مجلس الإنماء والإعمار منطقة عازلة في البحر من أجل المباشرة في عمليات الردم. ويقدّر كمية الأنقاض في جميع مناطق لبنان ب 220 مليون متر مكعب. وفي حين يتولى مجلس الجنوب مسألة الأنقاض في قرى الجنوب، يعتبر مجلس الانماء والإعمار المسؤول عن الكمية التي تلفظها ضاحية بيروت الجنوبية. مصدر مسؤول في مجلس الإنماء والإعمار أفاد أن الطريقة الأنسب للتخلص من هذه الأنقاض هي باستحداث أراضٍ تعود ملكيتها للدولة. وينص قرار مجلس الوزراء رقم 91 الصادر بتاريخ 24 آب أغسطس 2006 على استحداث موقع على حدود منطقة وسط بيروت التجارية سوليدير لوضع الركام المنقول من المناطق التي تعرضت للقصف والدمار في الضاحية الجنوبية.