في أواخر حزيران يونيو الماضي، وصلت عمّة الشابة رين وابنتها من كندا، وبعدها بأيام قليلة وصل عمّها وعائلته المؤلفة من 4 أشخاص من ألمانيا، على أن تتبعه في أول آب اغسطس عمتها الأخرى من كندا، وفي ما بين التاريخين كان يُرتقب ان تصل خالتها من الدنمارك وعمّها الآخر من زامبيا، وزوج إحدى خالاتها من السويد. هذا كان جدول مواعيد المغتربين من أقارب رين، المعلن لشهرين من صيف 2006. وكان سيتخلّل تلك الفترة"مفاجآت"تتمثلّ بوصول أفراد آخرين من العائلة. ولكثرة ما اعتاد هؤلاء المجيء"فجأة"، بات عنصر المفاجأة الوحيد هو أن يعلنوا عن قدومهم. فعلى سبيل المثال، وعلى ما تجري العادة، بعد وصول العمة الأولى من كندا ببضعة أيام، يتصل زوجها ليطلب منها انتظار أوراق مهمة من صديق. وپ"تتفاجأ"بأن الأوراق ليست سوى ابنتها، فتعمّم المفاجأة الجديدة على الآخرين. وتضيف رين:"تتصل بي عمّتي وتدعوني إلى وجبة طعام، في موعد وصول"المفاجأة". وفور وصولي إلى حيث يجتمع المغتربون،"أتفاجأ"احتراماً لعنصر التشويق". الوتيرة التي يصل بها الأقارب المغتربون تجعل السائق شبه مقيم في المطار. والسائق، بحسب رين، هو أحد أفراد العائلة المقيمين وتوكل إليه، كل عام، مهمة النقل من وإلى المطار. وتسخر رين قائلة:"على الأقل، انتهت موضة التقاء أفراد العائلة، من مناطق لبنان كافة، وتجمهرهم في المطار للقيام بواجب الاستقبال أو التوديع". حركة ناشطة يشهدها منزل جدّ رين خلال العام، ومواعيد زيارات الرجال تختلف عن تلك المخصصة للنساء والأولاد الذين يفضّلون الصيف. حركة تُطلق عليها رين لقب"الوصول بالتقسيط المريح"، تُضفي أجواء مختلفة على حياة المقيمين في لبنان. وتقول:"إنهم أفراد عائلتي وأحبّهم جميعاً، ولكنّي بالطبع أفرح لوصول بعضهم أكثر من بعضهم الآخر". ففي طفولتها كانت رين 25 عاماً تفرح وتهلّل لكلّ مَن يأتي. ولكنْ، بعد أن أصبحت تعمل، اختلفت طريقة حياتها، وبات وصول بعض أقاربها المغتربين يُشكّل عبئاً عليها:"أشعر بالتقصير إذا لم أزرهم يومياً، ولكن التوفيق بينهم ومشاغلي صعب". ويختلف الوضع مع أقاربها الذين من جيلها، فهم يُعتبرون زوارها هي. فتُدخل رين تعديلات على نشاطاتها بما يتناسب ووضع قريباتها، بشكل خاص، إذ أن"بعضهن محجب ويرتدن مسبحاً للنساء. والشبان يفضّلون السهر ليلاً، ولذا تطرأ تعديلات بسيطة على حياتي... تكفي لقلبها رأساً على عقب". رين، لا تعيش في بيت جدّها، ولكن الروابط العائلية تفرض عليها الالتزام. وتؤكد أن هذه الزيارات تؤثر في حياة كل المقيمين من أفراد العائلة، وتولّد مشكلات من نوع آخر. وتقول رين:"يدور تبييض الطناجر"، في وصفها لمحاولات المجاملة والتقرّب من الزوّار، و"مَن يُبيّض أكثر، يأخذ هدايا أكثر. فضلاً عن الجبهات التي تقوم بعد توزيع الهدايا، ذلك أن المقيم يصبح حليفاً لمَن أعطاه أكثر". ويتحوّل العاطل من العمل، أو الذي لديه وقت فراغ أطول، إلى مرافق للمغتربين، فيخرج ويسهر"على حسابهم، بالطبع وهذا يثير حسد الآخرين". أمّا الذي يعمل فيُنتظر منه أن يبادر إلى توجيه الدعوة ودفع الفواتير، ولا شكّ في أن"القيمة الشرائية لجيوب العائلات، ترتفع"، على حد قول رين التي تضيف:"وأحياناً، نسمع تعليقات من قبيل: مبروك، هل هذا القميص من السويد أو ألمانيا؟ فإذا جاء الجواب: هذا قديم، يظلّ قول التعليق أفضل من عدمه، لئلاّ تظنّ الأخرى أنك غيرانة لأن القميص كان من نصيبها. وفي معظم الأوقات، يكون الجواب: لا والله من كندا!". و"الزواج"، من النقاط الأساسية على جدول أعمال القادمين من بلاد الاغتراب. وهي نقاط"جاهزة ومنجزة"عبر الاتصالات الهاتفية بين العائلات، أو عبر الإنترنت بين شبابها وشاباتها. وتسخر رين:"وأصعب النقاط تلك التي لا تزال في مرحلة البحث عن الآخر، من الأقرباء بالطبع". وتروي ضاحكة:"التي تنفّق تزوّج كل أبنائها تتفرغ للآخرين من أبناء العائلة المقيمين. وفور وصول العمات والخالات، يُطرح عليّ السؤال: يا رين ألا تفكرين في الزواج؟، ويُفتح البازار طوال فترة مكوثهن، أمام الاستنساب والغمز واللمز على عرسان مفترضين أو مطابقين لمواصفات تناسبهن". هذا الصيف، أصيبت"الصيفية"في منزل جدّ رين بانتكاسة، مع بدء الحرب على لبنان في تموز يوليو الماضي. وكان لا بد من العمل سريعاً لمساعدة الرعايا الأجانب من الأقارب على الإجلاء من لبنان. وتقول رين:"وجدت، فجأة، أن أقاربي المغتربين تحوّلوا إلى الهاجس الوحيد في العائلة، على رغم أن الخطر علينا جميعاً... وبصراحة آلمني أن أجد نفسي وحيدة في هذه الحرب. وبعد مغادرتهم القسرية ووصولهم إلى بلدانهم، أخذوا يتّصلون للاطمئنان علينا، ويرسلون الأموال، على غرار الدول التي ترسل مساعدات". وتصف رين"هروبهم"ساخرة:"من كثرتهم، اختبروا أساليب الإجلاء كافة. فمنهم من هرب براً عبر الحدود السورية، ومن مطار سورية إلى قبرص أو الأردن أو مصر ومن ثم إلى وطنه الثاني. وآخرون اختبروا البوارج الأميركية والفرنسية". وفور إعلان وقف إطلاق النار، استأنف المسافرون من عائلة رين رحلاتهم إلى لبنان، وكانت أول الواصلين عمتها من كندا، تلك التي كان من المفترض أن تصل في أول آب أغسطس. ولكنّها تأخرّت عشرين يوماً، وأتت من طريق الأردن في أيام الحصار. وتتوقّع رين أن تُستكمل اللائحة وتكثُر المفاجآت بعد فكّ الحصارين الأخيرين.