يشبه العراق مريضاً يحتضر، وتتسرب حياته من جسمه، في حين يراقب أهله، وهم لا حول لهم ولا قوة، تباطؤ أنفاسه، ويخطط بعضهم الآخر لما بعد وفاته. ولفظ العراق أنفاسه الأخيرة هي خلاصة تقرير البنتاغون الربع سنوي في الأمن والاستقرار بالعراق. وسبق هذا التقرير تقرير تحدث عن خروجش محافظة الانبار عن سيطرة قوى الأمن، ووقوف ست محافظات اخرى، منها بغداد ونينوى وديالى، على شفير الهاوية، وعن توجه العراق نحو التقسيم على أساس طائفي وعرقي. ويشير التقرير الأخير الصادر الأسبوع الماضي، الى أن العراق استوفى شروط الحرب الأهلية. فالعنف بلغ كركوك والموصل وغيرهما من المحافظات. وخرجت تسع محافظات من أصل ثماني عشرة محافظة عن سيطرة قوات الأمن. وتنشر الميليشيات المسلحة الشيعية الفوضى والعنف بالجنوب. وتنعم ثلاث محافظات كردية، بشمال العراق، بالاستقرار. وفي هذه الظروف، يعارض رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، وصلاحياته لا تتعدى المنطقة الخضراء، نزع مسعود البرزاني، رئيس اقليم كردستان، علم العراق عن أراضي الإقليم. واليوم، يرى البرزاني أن الاكراد يريدون العيش في نظام فيديرالي عراقي متعدد وديموقراطي. ولكنه يربط الانتماء الى عراق فيديرالي بالاستقرار. وفي حال استعرت الحرب الاهلية بين العرب السنّة والشيعة، اضطر الاكراد الى الانفصال. وبعد مشكلة العلم العراقي، أعلن البرزاني ان البرلمان الكردي يقرر الانفصال عن العراق في الوقت الذي يراه مناسباً ومن دون مشاورة أحد. وإذا عدلنا عنوان تقرير البنتاغون وطرحنا السؤال التالي: هل الظروف مناسبة لانفصال الأكراد؟ لحصلنا على الإجابة التالية: الحدود البرية واضحة بين كردستان والعراق، وهناك برلمان كردي وحكومة كردية ودستور، وجيش وعلم ونشيد ، وبنك مركزي يسعه صك عملة كردية. وفي أربيل عدد من القنصليات الأجنبية. ويمثل عدد من السياسيين الأكراد إقليمهم في عدد من الدول. ولم يبق أمام الأكراد سوى إعلان الانفصال رسمياً! ولكن الاكراد لن يقدموا على هذه الخطوة قبل أن يلفظ العراق أنفاسه الأخيرة. فهم يرغبون في تفادي اتهامهم بتقسيم العراق، ويتحاشون توحد العرب شيعةً وسنّةً، ضدهم، وتدخل دول الجوار في اقليمهم. ولكن متى تصيب المنية العراق؟ وقد يلاقي العراق حتفه في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، موعد انتخابات تمهيدية اميركية قد يُهزم فيها الحزب الجمهوري هزيمة نكراء. فقد تحمله هذه الهزيمة على الانسحاب من العراق. وربما لفظ العراق أنفاسه الأخيرة بعد وصول الديمقراطيين الاميركيين الى الحكم. ومن المرجح أن يتخلى الحزب الديموقراطي عن سياسة رسم خريطة العالم، ويعيدوا جيشهم الى الوطن. وعلى تركيا الاستعداد لانفصال كردستان وتعزيز العلاقات بمسعود البرزاني. عن أردال شفق ،"صباح"التركية، 7/9/2006