في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الفنية ظهور أشخاص باتوا فنانين بين ليلة وضحاها. وسجلت البوماتهم مبيعات هائلة، وحققت أغانيهم انتشاراً كبيراً، وفاقت أجورهم المعدل المعقول، وتخطت شهرتهم عتبات الشهرة التي صنعها النجوم الكبار خلال مشوار طويل وجهاد مستديم وسنوات من العمل الكادح. الزمن اليوم هو زمن الأغنية وليس الفنان. والمعادلة البسيطة"قدم أغنية ضاربة لتصبح نجماً كبيراً"، التي فرضتها طبيعة السوق والجمهور، حتمت على الفنان اتباعها كقاعدة. لا يهم إن كانت خارج الخط الفني الذي رسمته لنفسك، وليس مهماً أن تكون مقتنعاً بها. المهم أن تواكب الموجة الجديدة وتصبح من"صرعات"هذا الزمن. لا شكّ في أن الصناعة الموسيقية أفرزت اليوم ميداناً اقتصادياً واسعاً. والفوضى التي تعمّ الوسط الغنائي في يومنا هذا لا تعكس حقيقة علم الموسيقى الذي قد يؤمن لمن يحبه أولاً وينمي موهبته ويتقنه ثانياً، مستوى اجتماعياً ومعيشياً جيّداً. وتعرّف سلسلة"المستقبل من اختيارك"الصادرة عن مديرية التوجيه المهني في"مؤسسة رفيق الحريري"اختصاص الموسيقي بالعزف والتأليف الموسيقي والأداء المسرحي. ويعزف الموسيقي على الآلات في شكل منفرد أو كعضو في مجموعة موسيقية. ويتخصص في أغلب الأحيان في نوع معيّن من الموسيقى: الشرقية، الجاز أو الروك... كما يركز على آلة معينة كالآلات الهوائية أو آلات الإيقاع أو الطبلة أو البيانو أو العود أو القانون... أما اختصاص الغناء، فيختلف عن الموسيقى، إذ ان صاحب الاختصاص يجب أن يتحلّى في الأساس بصوت جميل ونفس طويل. فضلاً عن التخصص ببعض العلوم الموسيقية، إذ إن الغناء والموسيقى يكملان بعضهما بعضاً. والمتخصص في الموسيقى والغناء يمضي وقتاً طويلاً في الدرس والتمرين، فهو يدرس ويتدرب على الآلات الموسيقية بهدف التمكن من الإلقاء الصحيح وحفظ النوتات الموسيقية واستخراج طاقات صوتية كامنة. كما ينتقل من مفتاح موسيقي إلى آخر لمجاراة اللحن أو التمرّس بالارتجال والاختراع والأداء الصحيح. وصناعة الموسيقى في عالمنا العربي باتت مزدهرة في شكل كبير. وعدا شركات الإنتاج وشركات إدارة الأعمال والمهرجانات الكبيرة والقنوات الفضائية الموسيقية المتخصصة، بدأت مدن عدة مثل بيروت والقاهرة والكويت وجدة ودبي، تشكّل محطات أساسية تغذيها استوديوات متطورة، نمت في شكل ملحوظ وازدهرت حتى ضاهت بجودتها تلك الموجودة في الغرب. وفي دراسة عن العلاج بالموسيقى في الطب العربي، أعدتها جامعة حلب، حدد علم الموسيقى بالتالي:"تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع على كل صوت منها توقيعاً عند قطعه فيكون نغمة، ثم تؤلف تلك النغمة بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب. ويتضمن هذا العلم أصنافاً عدة، بينها: 1- معرفة النقرات وكيفية تآلف الأصوات منها، وهي كالأسباب والأوتاد في علم العروض. 2- علم الإيقاع، وهو تنزيل الأصوات والنغمات على الآلات وطرق الضرب. 3- علم التلحين، وهو رد الموشحات والأشعار الرقيقة إلى نغمة مخصوصة بطريق مخصوص والقاعدة فيه راجعة إلى العروض في الحقيقة". وعلم الموسيقى لا يفرز فقط مغنين، غصّت بهم الساحة الفنية أصلاً. فبعض المتخصصين في علم الأصوات والموسيقى يقودون فرقاً موسيقية ترافق المطربين، وتقيم الأمسيات الطربية، أو حتى تشارك ككورس في ريستال ضخم. ويعمل الموسيقي في التلفزيون والراديو والمسرح ويقدم الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية. وقد يعمل الموسيقي في اختبار المغنين لبرامج الهواة أو الفرق الموسيقية، فضلاً عن تلحين وتوزيع الأغاني التي يطلبها المغنون وشركات إنتاجهم. وإذا كانت الصفات الحقيقة لا يعكسها"الهرج والمرج"الذي يحتاج الساحة الغناء اليوم، فهذا لا يعني أن الموسيقي، الذي يمكن ان يعمل أيضاً في المدارس والجامعات والمعاهد الفنية، يجب ألا أن يتحلى بثقافة كبيرة ومهارة تقنية وعلمية عالية، وحب للموسيقى وقدرة على العمل لفترات طويلة والإلمام بالمصطلحات الصوتية، وأذن موسيقية مرهفة، وحضور لائق. يدرس طالب الموسيقى الدرج الموسيقي والنوتة الموسيقية، العزف على الآلات، قيادة الفرق الموسيقية، هندسة التسجيل، الموسيقى الشرقية والغربية وفروعهما، تاريخ الموسيقى والغناء، الغناء الأوبرالي. يذكر أخيراً أن الكونسرفتوار الوطني في كل بلد يبقى المكان الأساس لتعليم أصول الغناء والتعرّف الى عالم الموسيقى الشامل. [email protected]