تمنيت ان يعيش نجيب محفوظ حتى يكمل المئة، منذ ان عرفته وأنا أتصوره روائي القاهرة في القرن العشرين، ولد سنة 1911 وسيعيش، أو أتمنى ان يعيش حتى 2011، أعرف ان الأعمار بيد الله وحده، وان الأطباء البشر يمكن أن يعالجوا كل الأمراض، ولكن الشفاء قضية أخرى غير العلاج، مسألة قريبة من الأسرار والرسائل التي تخرج عن قدرات البشر وتعلوها، لكني أتصور أن الرجل رتب حياته ليعيش أكبر فترة ممكنة، فهو ينام ويصحو ويكتب ويأكل ويشرب ويقابل الناس وفق مواعيد محددة بصرامة، في الخامسة صباحاً يستيقظ، ومع أول ضوء للشمس يكون في الشارع، ويمشي على قدميه من منزله في العجوزة، عابراً كوبري قصر النيل ثم ميدان التحرير ويلمّع حذاءه عند جزماتي بعينه، ثم يصل الى ميدان سليمان باشا طلعت حرب حالياً، ويشتري الصحف والمجلات من الحاج مدبولي، يشتريها كلها من دون تفريق، ويتصفحها في مقهى ريش، ثم يتركها على المائدة ويقوم بجولة كاملة على قدميه في وسط البلد الخالي من الناس في ذلك الوقت، ينهيها برحلة العودة الى بيته في العجوزة ليبدأ وقت الكتابة المحدد بصرامة، وأثناء الوظيفة كان يكتب في الليل، إنه رجل يأكل ويشرب بحساب دقيق وكأن معه مقياسًا للسعرات الحرارية، لدرجة انه، في السنوات الاخيرة، توقف عن تعاطي عقاقير السكر وحتى إجراء التحليلات الدورية لأنه ضبط أموره مع نفسه، وانضباطه الصارم في الكتابة والحياة يرجع لأنه، منذ البداية حدّد مشروعه وهدفه ووقف حياته عليه، ذات يوم قال لي جملة اعتبرها مفتاحه، قال"المتلفت لا يصل". هذا الانضباط والدقة الأسطورية أوحى إلي بأنه سيكمل المئة ليرسخ انه روائي قاهرة القرن العشرين بالعمر، بالبقاء في الحياة، كما رسخه بمشروعه الروائي الكبير والمؤسس.