للحكومة الاسرائيلية اليوم، كما للحكومات التي سبقتها، ثلاثة أهداف استراتيجية عليا: الحؤول دون"أسلمة"الشرق الأوسط، والسعي في سلام إقليمي شامل، وتحويل الموارد من الامن الى تلبية حاجات المجتمع وتعزيز المنعة الداخلية للدولة. والسعي النظري الى السلام، في منطقة مضطربة، لا يستوفي غرض العمل السياسي، والتحدي الاساس الذي يواجهه أصحاب القرار هو توفير الفرصة الاستراتيجية للمضي نحو سلام فعلي. وسابقاً، ضيعنا فرصة للسلام مع سورية لاعتبارت مثل"الثمن الباهظ"، والخوف من خسارة الدعم الداخلي، وتقديم المسار الفلسطيني، في وقت كان ثمة شعور مدهش بأن الوقت يعمل لمصلحتنا. وفي الأيام الأخيرة تفاقمت حدة السؤال عما اذا كان يفيد اسرائيل العودة الى العملية السياسية مع سورية، وإذا كان التوقيت سليماً، وذلك غداة حرب لم تكن نتائجها مؤاتية لإسرائيل. واما الذريعة الاساس التي يتعلل بها معارضو المبادرة السياسية، فهي ان قدرة الردع الاسرائيلية ضعفت، لذا فقدرة المقايضة لدى الطرف الثاني، ازدادت. ولكن، رداً على السؤال المطروح: هل الوقت ملائم لمفاوضات مع سورية، اقول: نعم. اولاً، سورية هي عنوان قائم لدولة قادرة، اثبتت في الماضي احترامها التزاماتها لأطراف وسيطة. واليوم لا تزال هي المقصد في مواجهة التشرذم الفلسطيني، والضعف اللبناني، والتمدد الايراني. وسواء ارتضينا ذلك ام لا نشأت مصلحة مشتركة بينها وبين اسرائيل على منع تعاظم التيار الراديكالي الذي يهدد، جذرياً، النظام السوري. والمصلحة المشتركة هذه اساس حوار فعلي. ثانياً، في إمكاننا بلوغ اتفاق من غير إبطاء. فمبادئ الاتفاق سبق تبلورها في مراحل المحادثات السابقة. والطرفان بلغا مرحلة توقيت التوقيع. ولكن السرعة من"دهاء الشيطان"في بعض الأحيان. وفي شرق اوسط يتجه نحو حيازة السلاح الذري، يعمه تهديد الإرهاب المتشدد، شأن الاتفاق السوري ? الإسرائيلي ان يقلب الصورة رأساً على عقب. ولا مراء في ان اتفاق سلام مع سورية يعطيها مشروعية دولية ويحقق انجازات اقليمية. ولكن دمشق تسدد ثمناً غالياً لقاء ذلك، مثل الافتراق عن الحليف الإيراني، وتأزم العلاقة بالفلسطينيين وحكومة"حماس"ومواجهة"حزب الله"، الى اضطرارها الى تغيير موقفها من العالم على نحو يتلاءم مع ترتيبات التطبيع التي يفرضها السلام مع دولة مغتصبة، في نظرها. ويؤدي السلام الى تعجيل السلام مع لبنان، وإضعاف حكومة"حماس". فالاساس هو الاستراتيجية الشجاعة التي تغير التاريخ، وتلجم ساعة الحرب الرملية، وتنشئ قواعد جديدة للعبة على اساس المصالح المشتركة مع الخصوم، واعتبار الأخطار المحسوبة. والتحدي هو التالي: هل نستفيد من دروس الحرب، ونعرف كيف نستغل الفرصة الاخيرة من اجل تغيير الشرق الاوسط، وتحويله من منطقة مليئة بالحقد والارهاب والعنف الى منطقة تسودها علاقات عقلانية بالدول المحيطة بها، وذلك بطرق الباب السوري، واجتياز العتبة السياسية، وليس الأمنية أو العسكرية معاً. عن موشيه سيني عضو سابق في الوفد الاسرائيلي الى المفاوضات مع سورية ولبنان، "معاريف" 28\8\2006