انتهت الهدنة غير المعلنة التي استمرت أربع سنوات بين الجيش التركي وحكومة"حزب العدالة والتنمية"ذي الجذور الإسلامية، وذلك بخروج قائد الأركان الجنرال حلمي اوزكوك الذي أحيل على التقاعد وتسليمه القيادة الى الجنرال يشار بيوك انيط الذي يعتبر من"صقور"المؤسسة العسكرية التركية. واستبق الأخير تسلمه منصبه بإعلان عزمه على التصدي ل"الرجعيين الأصوليين والانفصاليين الأكراد". تزامن ذلك مع تصعيد على جبهة أخرى في تركيا التي شهدت في الساعات ال 48 الماضية، سلسلة هجمات أوقعت ثلاثة قتلى على الأقل و32 جريحاً بتفجيرات استهدفت اسطنبول ومنتجع مرمريس وانطاليا. وبين الجرحى اربعة سياح اسرائيليين وعشرة بريطانيين سقطوا في الهجمات التي حملت بصمات تنظيم كردي متطرف. راجع ص 8 وودعت القيادة التركية امس، الجنرال اوزكوك"اكثر عسكرييها ديموقراطية، وأكثرهم حرصاً على احترام الحريات السياسية، وأصدقهم ميلاً الى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي"، على الأقل في حدود المعايير التي عرفت عن الجيش التركي على مدى تاريخه الحافل بالانقلابات العسكرية والتدخلات على الساحة السياسة. وامتاز الجنرال اوزكوك بصمته وابتعاده عن التصريحات النارية وعن التدخل في سياسة الدولة، ما ساهم في دفع تركيا نحو بدء المفاوضات على عضويتها في الاتحاد الأوروبي في كانون الأول ديسمبر 2004. وتجاهل اوزكوك كل الضغوط الاميركية للمشاركة في الحرب على العراق، محطماً بذلك الأعراف والتقاليد التي كانت تجعل الجيش التركي التابع الأمين للسياسة الأميركية في المنطقة. لذلك واجه اوزكوك أزمة حادة مع واشنطن توجت بإلقاء الجيش الأميركي القبض على عدد من رجال القوات الخاصة التركية وإساءة معاملتهم في السليمانية شمال العراق في خريف 2003. كما أفسح الجنرال اوزكوك في المجال امام الحكومة لتتحرك بحرية على صعيد القضية القبرصية، ما ادى الى السماح بقبول القبارصة الأتراك مسودة الحل الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان صيف 2004، وهي المسودة التي طالما عارضتها المؤسسة العسكرية التركية. وأخضع اوزكوك الجيش الى العديد من الإصلاحات الأوروبية التي اقرها البرلمان، وأحال عدداً من الجنرالات على محاكم بتهمة الاختلاس، في ما كان أشبه بعملية"تطهير"داخل الجيش اعتبرت سابقة. وخرج اوزكوك الى التقاعد وهو يقول أن ما ينقص تركيا هو مزيد من الديموقراطية وحرية الرأي، لذا كان هدفاً لسهام القوميين المتطرفين وصغار الضباط الذين اعتبروه متخاذلاً ضعيفاً. في المقابل، فإن قائد الأركان الجديد الذي سيتولى مهمته لسنتين فقط بحكم كبر سنه، عُرف بحسن علاقاته مع واشنطن، إذ أعاد ما انقطع من ود بينها وبين المؤسسة العسكرية، وحصل على وسام من اللوبي اليهودي - الأميركي. وسبقت تصريحاته النارية حول ضرورة حماية العلمانية والتصدي ل"الرجعيين الأصوليين"والانفصاليين الأكراد، توليه منصبه الجديد، بل عاد الى استخدام عبارات كان المجتمع التركي نسيها طيلة السنوات الأربع الماضية، ما اعاد التوتر ولو شفوياً الى العلاقة بين الحكومة والجيش، خصوصاً ان تياراً من الإسلاميين سعى الى تشويه سمعة بيوك انيط خلال الشهور الستة الماضية، من خلال اتهامه بالتستر على"عصابات قومية داخل الجيش تعيث فساداً وتخطط لقتل رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، وتدبير تفجيرات ضد المواطنين الأكراد". ومع ان غالبية المراقبين لا تعتقد بأن بيوك انيط سيعرقل المسيرة الأوروبية لتركيا بسبب خبرته في العمل مع الأوروبيين من خلال حلف شمال الأطلسي، فإن مواقفه ستكون ذات اثر كبير على سياسة التعامل مع حزب العمال الكردستاني، ناهيك عن تأثيره المحتمل على الانتخابات الرئاسية التي يتوق اردوغان للفوز بها، والانتخابات العامة في تشرين الثاني نوفمبر 2007، لا سيما أن بيوك انيط وضع على رأس لائحة معاونيه الجنرال أرجين صايغون، العقل المدبر للانقلاب السياسي الذي أطاح حكومة نجم الدين اربكان الإسلامية العام 1998.