فجأة، من دون مقدمات، ظهرت حسيبة في معالجة تلفزيونية درامية بعد أن كانت استقرت - سينمائياً - عند المخرج السوري ريمون بطرس الذي لم يشأ الحديث عن هذا الموضوع مكتفياً بالقول:"منذ إعلان الموافقة على السيناريو الأدبي في المؤسسة العامة للسينما، وبدء الحديث عن التحضيرات العملية للفيلم السينمائي وأنا أسمع مثل الآخرين أن جهة خليجية تنجز مسلسلاً تلفزيونياً عن الرواية نفسها، وبتوقيع المخرج التلفزيوني الأردني عزمي مصطفى"، نافياً في الوقت نفسه أن هذا قد يترك أي تأثير على عمله. الروائي السوري خيري الذهبي صاحب رواية"حسيبة"يقول مبتسماً:"نعم، لقد أصبح المسلسل التلفزيوني جاهزاً تقريباً"، وعندما سألناه عن عطائه حقوق الرواية الى جهة خليجية قبل عشر سنوات قال خلالها إنه نسي ذلك ولم يعد الى الموضوع لكثرة ما تناوب مخرجون وكتّاب سيناريو على هذه الرواية، قال:"مشروع حسيبة كتب أصلاً للتلفزيون قبل سنوات عدة. وكان هناك مفاوضات مع شركة خليجية، ثم دخل التلفزيون السوري على خط المفاوضات وأصبح شريكاً. وما لبث المشروع أن تعثر حتى يئست شخصياً من إمكان تنفيذه، ووصلت الى مرحلة لم أعد أريد له أن ينفذ. ولكن فجأة تقدمت شركة جديدة لتنفيذه، فقمنا بإعادة قراءة النص وصوغه من جديد بما يناسب الفترة الراهنة. وأنا أعتقد أن في النص زخماً ليس من السهل استعادته". ويضيف الذهبي الذي كتب السيناريو التلفزيوني بنفسه"ان الفيلم والمسلسل سيقدمان الى الجمهور مباراة بين ممثلتين موهوبتين وجميلتين هما سلاف فواخرجي وأمل عرفة"وهذا في رأيي سيكون لمصلحة العملية، كما سنشهد منافسة حامية ما بين الشخصية الشريكة لحسيبة في العملين، وهي خالدية التي سيتنافس عليها كل من أمانة والي وجيانا عيد". لمن ستكون الأسبقية في الحالتين؟ يقول الذهبي:"منذ أن ظهرت حسيبة كرواية لم يبق مخرج سينمائي أو تلفزيوني إلا وغازلها على أمل تنفيذها. وكما يقولون في الأمثال: الحسناء لكثرة حسنها قد تبور... وكان هذا ما حصل، تقدم عدد لا بأس به من المخرجين السينمائيين لكن أياً منهم لم يكمل المشروع، يكفيني الآن أن أقول إن هذا المسلسل التلفزيوني قد وقّع على إخراجه خمسة مخرجين تلفزيونيين، ولكن عقبات ما كانت تعترض تنفيذه هناك أيضاً. وربما كان هذا في مصلحة الرواية نفسها، فأنا في هذا العام أمام تجربة نادرة في الرواية العربية. إذ تجد أمامك ثلاثة نصوص لرواية واحدة. نصاً مطبوعاً بين دفتي كتاب، ونصاً سينمائياً ونصاً تلفزيونياً. وهذا كما أعتقد يعطي فرصة جيدة للنقاد للمقارنة بين النص الروائي والنصوص الأخرى. النص المكتوب بالحرف، أي بالرمز، يتيح للقارئ حرية صنع النماذج التي يريدها عبر خياله الخاص، فلكل قارئ لرواية"حسيبة"، حسيبة خاصة به. أما في النص السينمائي، فسيجد المشاهد حسيبة محددة الملامح والنبرات والإشارات والتعابير والجمال والمكان ممثلة بسلاف فواخرجي. أما في النص التلفزيوني، فسيجد نفسه أمام حسيبة أخرى، وبرؤية أخرى، وقراءة أخرى محددة الملامح والمرموزية والشكل والماكياج والأداء الصوتي، بل حتى الجمال الخاص". ويتساءل الروائي خيري الذهبي مضيفاً:"ألا تعتقد أن هذه الفرصة مناسبة للنقد المقارن؟". ويضيف الروائي السوري رداً على سؤال متعلق بهذه التجربة الروائية النادرة، حول أيهم أقرب إليه من بين هذه الخيارات:"أنا قبل كل شيء كاتب روائي، والأقرب الى روحي هو ما وضعته على الورق، فأنا المسؤول الوحيد عنه لا قبلاً ولا بعداً. إذ تقول لي: أنت نفسك وضعت النص التلفزيوني، أجيبك على الفور، ان النص التلفزيوني والسينمائي ليسا نصوصاً فردية، فهناك شركاء لك فيهما. أما الرواية وهي مجد الكاتب، فهي عمل فردي هنا، هو الوحيد المسؤول وصاحب الحق الوحيد في النص". وحول إعداد نصين ليلائما الطبيعة السينمائية والتلفزيونية يقول الذهبي:"كنت بالنسبة الى الفيلم السينمائي بمثابة مستشار بيئي وكاتب للحوار، ولم أتدخل في السيناريو، أما كاتب السيناريو الأول، فكان المخرج نفسه، وبوسعي القول إنني اشتركت في العمل الى حد ما. أما تلفزيونياً، فقد كانت حصتي في الشراكة أكبر بكثير، فأنا صاحب النص الروائي، وصاحب النص التلفزيوني تالياً. ولكن كما تعلم، ثمة فكاهة متداولة في الأوساط التلفزيونية مفادها ان نجح العمل، فالنجاح للمخرج، وإن لم ينجح، فالمخرج يتخلى عن مسؤوليته ويلقي باللوم على الكاتب، ولكنني متفائل بهذا العمل الى حد كبير". عن سبب تفاؤله يقول الذهبي:"تعرف أن حسيبة كانت الرواية الشامية الأولى في تاريخ الأدب في سورية، فالسوريون منذ زمن بعيد ولتعلقهم بفكرة العروبة هربوا من الكتابة عن المكان، لأن الكتابة عنه أصبحت شبيهة بخيانة حلم الوحدة التي يطمحون اليها، فكانت النتيجة أن كتبوا كثيراً عن الأعمال التي تدور في مكان لا مكاني: بغداد الأسطورية... الأندلس الأسطوري. كتبوا أحياناً عن دريسدن هرباً من الكتابة عن دمشق، أو عن المكان الذي يعرفون. فلما تقدمت برواية حسيبة، وبمسلسل تلفزيوني في زمن مقارب اسمه لك يا شام أحدثت صدمتين جعلتا الكثير من الكتاب يهجمون بخفة على هذا الموضوع". ولا يظهر الروائي السوري خيري الذهبي تخوفاً من أن يتحول المسلسل نفسه الى مسلسل لا مكاني باعتبار أن مخرجه ليس شامياً ويقول:"النص المكتوب كان المكان فيه بطلاً الى درجة أنه ليس هناك من مخرج يجرؤ على الخروج من هذا المكان. ففي وفاة خالدية كان المكان بطلاً موازياً للممثل، وفي وفاة حسيبة كان المكان شريكاً أساسياً، فالبحرة - بركة الماء المنزلية - بطل، والسقالة بطل، وباحة الدار بحد ذاتها بطل مشارك". وعن سؤال عن هجاء مبطن للواقع الدرامي السوري موجود في أجوبته يقول الذهبي ضاحكاً:"هنالك خطان يعملان معاً: خط يعمل على النقد السياسي والاجتماعي، وخط يعمل على"النوستالجيا"التاريخية، ومنه خط يعمل على النوستالجيا الشامية. لكن ما هو أخطر أنه في الجيو - سياسية المعاصرة تحولت منطقتنا الى ما يسمى بMENA وتعني الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فصارت تركيا للأتراك هوية ومكاناً، واليونان لليونانيين هوية ومكاناً، وإيران للإيرانيين هوية ومكاناً، بل حتى"إسرائيل"- طلب الذهبي أن نضعها بين قوسين - أصبحت للإسرائيليين هوية ومكاناً. أما سكان الMENA فهم الهلام، بلا هوية ولا شخصية ولا تاريخ ولا جغرافيا. وقد عملت الكثير من النصوص التلفزيونية على خدمة هذا الغرض، ربما عن سذاجة، وربما عن تشجيع. وأنا أعتقد أن التلفزيون وهو أكبر دار نشر في العالم لا يجوز أن يترك للسذج والمغامرين، بل يجب أن يكون أداة تحفر عميقاً بحثاً عن الجمال وعن الهوية".