للمرة الأولى منذ الثورة الكوبية قبل 48 سنة، اضطر الرئيس فيدل كاسترو الى التخلي عن قبضته الحديد على الجزيرة، وتسليم مقاليد الحكم موقتاً الى شقيقه وخلفه المعلن راوول، ليستسلم زعيم آخر قلاع الشيوعية في العالم الى مبضع الطبيب، في جراحة حساسة في المعدة بعد نقله الى الطوارئ مصاباً بنزيف ليل الاثنين - الثلثاء. وفي وقت لم تسجل حركة غير طبيعية في شوارع هافانا وسائر المدن الكوبية، تابع الكوبيون المناهضون لكاسترو المنفيون في فلوريدا وأنحاء الولاياتالمتحدة، التقارير الواردة من الجزيرة. ونزل بعضهم الى الشوارع احتفالاً بعد اشاعات عن نهاية الرئيس البالغ من العمر 80 سنة، في حين رفضت الادارة الاميركية اطلاق تكهنات حول حال خصمها العنيد، مؤكدة انها تراقب الوضع عن كثب. وعلمت"الحياة"عبر اتصالات مع دوائر مقربة من السلطة في هافانا ان كاسترو ادخل المستشفى سريعاً، واكتشف الاطباء انه يعاني"فتقاً في المعدة"يستدعي جراحة عاجلة. وتوقعت المصادر ذاتها ان يصدر عن كاسترو بيان جديد خلال 48 ساعة، يطمئن فيه مواطنيه على حاله، ويعلن خلوده للراحة لبضعة اسابيع. وكان الزعيم الشيوعي فاجأ العالم ببيان تلاه عبر التلفزيون سكرتيره الخاص كارلوس مانويل فالانسياغا، وجاء فيه:"بسبب الجهد الهائل الذي بذلته لأتوجه الى مدينة كوردوبا الارجنتينية للمشاركة في اجتماع السوق المشتركة لدول اميركا الجنوبية ميركوسور وفي مراسم اختتام قمة الشعوب في كوردوبا البطلة ولزيارة التاغراسيا المدينة التي عاش فيها"تشي"غيفارا، الى جانب مشاركتي بعد ذلك فوراً في احتفالات الذكرى الثالثة والخمسين لهجوم 26 تموز يوليو 1953 على ثكنة مونكادا وثكنة كارلوس مانويل دي سيسبيدس في اليوم ذاته في مقاطعتي غرانما وهولغوين جنوب شرقي، فإن أياماً وليالي من العمل المتواصل وبلا نوم تقريباً أدت الى تعرض صحتي، التي قاومت كل المحن، الى اقصى حدود الإرهاق والضعف". وأضاف كاسترو في بيانه:"هذا الأمر سبّب لي أزمة معوية حادة مع حالات نزيف كبيرة اجبرتني على الخضوع لعملية جراحية معقدة. وسجلت كل تفاصيل هذا العارض الصحي في الصور الشعاعية وعمليات التنظير... وهذه العملية تضطرني للخلود الى الراحة اسابيع بعيداً من مسؤولياتي". وتابع الزعيم الكوبي انه"نظراً الى ان بلدنا مهدد في ظروف كهذه من حكومة الولاياتالمتحدة"، قرر نقل مهماته أميناً عاماً للجنة المركزية للحزب الشيوعي وقائداً أعلى للقوات المسلحة الثورية، الى نائبه راوول كاسترو 75 سنة، وذلك في صورة موقتة. كما شمل القرار نقل سلطاته في قطاعات الصحة والتعليم والطاقة الى الوزراء المعنيين. وشدد كاسترو على وجوب ان تلقى قمة دول عدم الانحياز، التي يفترض ان تعقد في هافانا من 11 الى 16 ايلول سبتمبر المقبل، اكبر اهتمام من الدولة والشعب الكوبيين. كما طلب تأجيل الاحتفال بعيد ميلاده الثمانين في 13 الشهر الجاري، الى الثاني من كانون الاول ديسمبر، والذي يصادف الذكرى الخمسين لإنزال غرانما، وهو اسم القارب الذي اقل كاسترو وزملاءه إلى كوبا آتين من المكسيك لخوض حرب العصابات ضد الدكتاتور باتيستا. وقوبل نبأ مرض كاسترو بقلق لدى حلفائه خصوصاً في اميركا اللاتينية. وأعرب ابرزهم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الموجود في فيتنام في زيارة رسمية عن"همه"إزاء الخبر الصاعق. وأكدت مصادر ديبلوماسية اجنبية في الجزيرة، أن الوضع هادئ هناك وأن"السكان تلقوا الخبر بهدوء لافت". وأيّاً تكن ملابسات تنحي كاسترو عن السلطة موقتاً، فان المراقبين في دول مجاورة رأوا أن"الحدث الصحي"اطلق في كل الأحوال عملية انتقال السلطة في كوبا، علماً ان شقيق الرئيس ونائبه، رافقه في كل مراحل نضاله، وهو تولى منذ انتصار الثورة دور الذراع اليمنى لكاسترو والرجل الثاني في مؤسسات الدولة والحزب والجيش. وأشار المراقبون الى ان راوول اكثر انفتاحاً وبراغماتية من شقيقه، وانه قادر على تسيير دفة الحكم من دون صدامات مع الخارج او صراعات داخلية.