الأحزاب والشخصيات. الزعماء والنواب. رؤساء الطوائف وممثلوهم في الحكومة. جميعهم تذكر الدولة بعدما وجه"حزب الله"صفعة الى اسرائيل تردد صداها في العالم العربي. جميعهم وجه اتهامات الى حسن نصرالله بتجاوزه الدولة، وتفرده بقرار الحرب وتعريض البلاد لدمار هائل. ولكن إذا تجاوزنا هذا الجدل الذي يصب في خانة المماحكات السياسية، وتفحصنا الدولة، بما هي مؤسسات وسيادة، ومحتكرة للعنف، بحسب أبسط التعريفات، نجد أنها ما زالت منذ الاستقلال، وما قبله، مشروعاً يبنيه سلطويون يتمسكون بتقاليد وأعراف ما قبل الدولة. بعضهم ورث سلطته من زمن الاقطاع والامارات اللبنانية، في القرن التاسع عشر، مثل وليد جنبلاط وحزبه، فهو اقطاعي. تقدمي. اشتراكي متحالف مع اميركا. علماني. زعيم طائفة. عروبي. انعزالي. مع المقاومة الفلسطينية ويدعو الى حياد لبنان... وبعضهم مثل أمين الجميل والكتائب يدعو الى الالتفاف حول الدولة، ويقاتل الزعماء الآخرين في طائفته لاحتكار السلطة عليها. أما الحركات القومية والعلمانية، مثل الشيوعيين، فقد أصيبت بانفصام في الشخصية. تتحالف، حيناً، مع زعماء الاقطاع السياسي متوهمة أنها ستغير الواقع، وترفع، حيناً، شعارات اسلامية أو تقف الى جانب هذه الطائفة ضد الأخرى، باعتبارها أكثر تقدماً وقابلية للتطور! فلنتذكر قليلاً، كان العلمانيون اليساريون خلال الحرب الأهلية متحالفين مع التيارات الاسلامية التي تقاتل المسيحيين، بحجة أنهم انعزاليون. وكانوا مع الثورة الفلسطينية باعتبارها بندقية التحرر العربي. وكانوا مع الاتحاد السوفياتي. واليوم هم ركام سلطة انتجتها الحرب الأهلية، والحروب اللاحقة. خاضوا تلك الحرب مع زعماء طوائف. وهم، في الوقت ذاته، ضد"حزب الله"لأنه حزب طائفة احتكر المقاومة في الجنوب، ولم يتح لهم ممارسة حقهم الطبيعي في قتال اسرائيل، وهم أيضاً ضد سورية بعدما قاتلوا الى جانبها وحملوا راياتها، ونظّروا لدورها المحوري في الصراع مع الصهيونية. على رغم العلاقة الموضوعية بين هذه التحولات لدى الزعماء اللبنانيين والظروف الدولية والاقليمية. وعلى رغم حقهم في تغيير مواقفهم، لكن الواضح أنهم فعلوا ذلك للمحافظة على سلطاتهم، داخل طوائفهم، وداخل الدولة. فخوفهم من انتصار"حزب الله"واستثماره هذا الانتصار في الداخل لمصلحة طائفته، جعل هذا الإنجاز جرعة كبيرة لا تستطيع أجسامهم، ولا أحلامهم، احتمالها. لذا يبدو خطابهم كأنه دفاع عن اسرائيل وهو في واقع الأمر دفاع عن حصصهم داخل الدولة. والحصص في المناسبة منعت لبنان من بناء جيش قوي، كان"تجمع"الطوائف في الدولة يعطل عملها شهوراً، كلما طرح موضوع ترقية الضباط وتوزيعهم على وحداتهم. كل زعيم يريد ترقية أبناء طائفته من العسكريين. وبفضل هذه"السياسة الدفاعية"بني الجيش، وهو رمز السيادة، بعيداً عن الحدود مع اسرائيل، خوفاً من انقسامه. لكل هذه الأسباب لن يقوى أحد على محاسبة أحد، لأن المحاسبة ستكون شخصية أو طائفية، خارج أطر الدولة ومؤسساتها. وإلا عدنا الى الحرب الأهلية. تجمع سلطات لا يشكل دولة.