يواجه الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين عقوبة الاعدام في محاكمة قضية الدجيل وعليه الرد خلال محاكمة ثانية تبدأ الاثنين على اتهامات بارتكاب"ابادة جماعية"ضد الاكراد إبان حملة الانفال التي اسفرت عن مقتل حوالي 100 الف شخص بين عامي 1987 و1988. وستحاول النيابة العامة إدانة صدام عبر اصداره الأوامر بشن الحملة. وبعد مضي أقل من عام على بدء محاكمته في قضية مقتل 148 شيعيا في بلدة الدجيل، التي ستصدر الاحكام فيها في 16 تشرين الاول اكتوبر المقبل، سيشهد الرئيس العراقي السابق محاكمة اخرى، ويواجه حكما بالاعدام في القضيتين. واعرب خبراء عن اعتقادهم بأن المحاكمة التي ستجري في مقر المحكمة الجنائية العليا في المنطقة الخضراء الشديدة الحماية ستستغرق شهوراً. وتم التكتم طويلاً لاسباب امنية، على اسم القاضي الذي سيرأس المحكمة، وهو الشيعي عبدالله العامري، وذلك بعد استقالة اول قاض في المحاكمة الاولى ومقتل ثلاثة من محامي الدفاع. ومن جهته، قال النائب العام في المحكمة جعفر الموسوي انه سيكون حاضرا لدى بدء الجلسة الاولى، على ان يسلم القضية الى ثلاثة آخرين بقيادة منقذ تكليف آل فرعون، في حين سيحضر أربعة من وكلاء الدفاع عن ضحايا الانفال من اصل اربعين محاميا. في المقابل، يتولى فريق من 12 محاميا الدفاع عن صدام ومساعديه الستة وأبرزهم علي حسن المجيد الملقب ب"علي الكيماوي"و"جزار كردستان". ونص القرار الاتهامي على ان هدف حملة الانفال كان القضاء على التطلعات القومية للاكراد عبر مهاجمة المدنيين. وعلى رغم المواجهات العسكرية بين"البشمركة"الميليشيا الكردية والقوات العراقية، فإن هذه الاخيرة متهمة بتركيز قوتها النارية على القرى الكردية، باستخدام اسلحة كيمياوية. واعتبرت منظمة"هيومان رايتس ووتش"الاميركية للدفاع عن حقوق الانسان في تقرير مفصل لها حول الانفال ان"عمليات القتل لا علاقة لها بقمع التمرد". كما ستحاول النيابة العامة ايضاً اثبات وجود معسكرات اعتقال وعمليات اعدام جماعية. ويشير تقرير المنظمة الحقوقية الى ان"الاسرى قتلوا بعد ايام وحتى بعد اسابيع من انتهاء الاجهزة الامنية من تحقيق اهدافها"، ويوضح ان هذه النقاط هي مؤشر على الرغبة في ارتكاب ابادة جماعية. وعام 1986، وفي حين كان نظامه يخوض الحرب مع ايران منذ 1980، امر صدام ابن عمه"علي الكيماوي"بقمع الاكراد الذين كانت مناطقهم تخرج شيئا فشيئا عن سيطرة بغداد. وبين 1987 و1988، تم شن ثماني حملات على مناطق الاكراد حيث افرغت بعض النواحي من سكانها الذين نقلوا الى اماكن موررست فيها عمليات قمع. ويتراوح أعداد الضحايا بين 100 ألف و 180 الفا وفق تقديرات مصادر مختلفة. وبالاضافة الى الرهان على الاعتراف بارتكاب ابادة جماعية، من المتوقع ان تثير المحاكمة اصداء سياسية قوية. فمنذ 1991 وانتهاء حرب الخليج الثانية، تمتعت مناطق الاكراد بحكم ذاتي موسع بعدما فرض الاميركيون منطقة يحظر على الطيران العراقي التحليق فيها. وحالياً، باتت كردستان اقليما يتمتع بحكم ذاتي في عراق يحكمه تحالف هش برئاسة الكردي جلال طالباني. لكن مستقبل الاقليم يبقى غير معروف. فمصير مدينة كركوك التي يسكنها خليط من الاكراد والتركمان والعرب، سنة وشيعة، يطرح مشكلة مستعصية خصوصاً ان المنطقة غنية بالنفط. وقد تطمئن المحاكمة الاكراد الا انها قد تعيد ايضاً فتح الجروح القديمة ما سيؤدي الى اعادة انبعاث الرغبات الانفصالية الدفينة. ويقول عبدالله محمد الذي فقد اطفاله الخمسة وثلاثاً من شقيقاته مع اطفالهم وازواجهم في حملة الانفال"انتظر بفارغ الصبر رؤية صدام حسين في قفص الاتهام كي اتمتع برؤيته ذليلا". ويؤكد عبدالله ان قريته"هومر مل"في منطقة كرميان 140 كم جنوب السلميانية كانت تسكنها 30 عائلة حين هاجمتها القوات العراقية عام 1988. ويضيف"تحولت قريتنا الى كتلة من النار والدخان وحاصرتنا القوات المدرعة تساندها طائرات مروحية مقاتلة، قبل نقل سكان القرية بواسطة الحافلات العسكرية الى مكان مجهول". من جهته، يتذكر ملا عمر حسن 50 عاما الذي فقد والدته وخمسة من اشقائه واطفاله الثلاثة في الحملة ابنه الصغير وهو يصرخ"لا تتركني وحدي يا ابي"، عندما هرب حسن امام تقدم القوات العراقية. ويقول والدموع في عينيه"لم اره بعد ذلك اليوم ولا يزال ماثلا امامي". ويؤكد ملا عمر ان احدا لم ينج من سكان قريته تبة جرمو البالغ عددهم 102 اشخاص سوى امرأة توفيت في ما بعد. وينتظر ملا عمر بدء المحاكمة قائلاً:"انتظرنا هذا اليوم كثيراً وها هو يقترب". وبدوره، قال آريان رؤوف مدير دائرة حقوق الانسان في كرميان التابعة لوزارة حقوق الانسان في حكومة اقليم كردستان"هناك 2500 وريث لضحايا الانفال والمفقودين بينهم اشخاص فقدوا عشرة من افراد عائلاتهم". واضاف:"هناك عائلات ابيدت عن بكرة ابيها ... ففي بلدة جمجمال 65 كم جنوب السليمانية حوالي 2700 ممن نجوا من حملة الانفال وفقدوا ذويهم، تخصص وزارة حقوق الانسان لكل عائلة منهم راتبا شهريا قدره 100 دولار". وتقول رحمة عمر 70 عاما التي تسكن بلدة صمود انها فقدت 14 شخصا من اقاربها اثناء الحملة وتسأل بلهفة عن موعد بدء جلسات محاكمة صدام وعلي حسن مجيد الملقب ب"علي الكيمياوي"في اشارة الى اتهامه باستخدام الغاز السام في حلبجة عام 1988. وتضيف ان"الله ينصر المظلومين ويقتص من الجلاد صدام".