المواجهة مع"حزب الله"جديدة على أكثر من صعيد فهي جديدة في طبيعة الخصم، وعلاقاته بالدولة التي يحل فيها والدول التي ترعاه، وفي نوع القتال واستخدام الأسلحة، والعلاقة بين جبهة القتال والجبهة الخلفية، ودوام المعارك، وأثر وسائل الإعلام في طريقة إدارة الجيش الإسرائيلي المعارك وربما ادارة"الحزب"لها، وهلم جراً. ولكن المواجهات التي دارت تظهر التغير العميق في طبيعة المخاطر والفرص التي تنتظر اسرائيل في المنطقة. فإسرائيل تخوض مع طرف يمثل، الى حد بعيد، ايران وجلي ان المواجهة تترتب عليها نتائج مفترضة وحقيقية على موقع اسرائيل في المنطقة، وعلى ظهور ايران قوة اقليمية مباشرة، أو بالواسطة، في مستطاعها تحقيق اهداف اقليمية ودولية. ولعل هذا هو السبب في التأييد الدولي غير المسبوق للهدف الإسرائيلي المباشر، وهو إضعاف قوة"حزب الله"العسكرية. يصح اليوم القول ان هجمات"حزب الله"، والمواجهة التي نجمت عنها، لم تكن وليدة خطأ ارتكبه الشيخ نصر الله وشركاؤه في الحزب، وإنما كانت القيادة الإيرانية على علم بها. ويمكن الافتراض ان القيادة هذه كانت على علم بالعملية المفترضة، وكان في إمكانها ان تمنعها. وعليه، فالكمين في 12 تموز يوليو أثبت على الملأ، وعلى نحو قاطع، استعداد ايران لدعم اعمال هجومية خطرة يقوم بها ممثلها في وجه خصم قوي، وترمي الى غايات دعاوية تقوي صورة ايران قوة كبرى في المنطقة. والسؤال الذي يبادر الى الأذهان، ويطرحه جيران ايران قبل غيرهم، هو التالي: اذا كانت ايران تتصرف على هذا القدر من التهور وهي خالية الوفاض من القوة النووية، فما شأنها اذا جازت القوة النووية هذه؟ وقد تتكشف المواجهة عن منعطف في تاريخ النزاع الإسرائيلي - العربي. فبينما تتراجع قدرة الدول العربية وحافزها على تهديد وجود إسرائيل، تتعاظم، منذ اكثر من عقد، القدرة الإيرانية على تجديد هذا الخطر بواسطة السلاح النووي. وحصول ايران على سلاح نووي عسكري شأنه ان يجعل إسرائيل تعيش للمرة الأولى منذ نشوئها تحت تهديد حقيقي بالدمار. ويتصدر الخطر الأخطار الأخرى التي تتهدد أمن إسرائيل كلها. وعلى إسرائيل ان تفعل وسعها للحؤول دون تحقيق التهديد. والمواجهة الجارية مؤشر واضح على الأفق الاستراتيجي الجديد الخطر، وغير المستقر، الناشئ عن جواز تحول ايران دولة نووية. ولكن نظراً الى انتفاء مصلحة العالم والدول العربية المجاورة لإيران في نشوء مثل هذا الوضع، فثمة فرص جديدة لإسرائيل. وثمة ثلاث خلايا في المحور الإيراني:"حزب الله"ومتطرفو الحكومة الفلسطينية، وسورية. وهدف اسرائيل الاستراتيجي هو، أولاً، عزل ايران، وقطع صلتها بالفلسطينيين وسورية. ولا فائدة ترجى اليوم من استثمار جهود عسكرية وسياسية في"حزب الله". فإما ان اسرائيل لا تملك التأثير في اهداف الحزب الاستراتيجية، وهي صورة ايديولوجيا غير قابلة للمساومة، او ان عزل ايران عن الفلسطينيين وسورية يؤدي تلقائياً الى ذواء"حزب الله"وقوته العسكرية الفاعلة. فكيف تبلغ اسرائيل هذا الهدف؟ سبيل اسرائيل الى عزل ايران يقتضي إنهاء النزاع مع الفلسطينيين ومع سورية. وثمن إنهاء النزاع مع الفلسطينيين معروف: الانسحاب من الضفة الغربية، واحتمال تغيير طفيف في الحدود، وتسوية اقليمية وعملية على القدس. وثمن إنهاء النزاع مع السوريين معروف كذلك: العودة الى الحدود الدولية عشية 4 حزيران يونيو 1967. والطريق الى انهاء النزاع مع الفلسطينيين، وقطع علاقتهم بإيران، من المفترض ان يبدأ بدعم الأطراف المستعدة للتفاوض معنا، ومنها اطراف من"حماس"أيدت"وثيقة الأسرى". وقطع علاقة سورية بإيران في المرمى الإسرائيلي. وقد يكون الأسد الابن اقل التزاماً من ابيه بعودة هضبة الجولان. ولكن سورية لن ترجع عن مواجهتها مع اسرائيل طالما لم تسترجع اراضيها. وتدل التجربة منذ اتفاق فصل القوات في الجولان في 1974، انها سلكت طرقاً كثيرة، أولها طريق لبنان للالتفاف على التفوق العسكري الإسرائيلي، والمواجهة بالواسطة. والحال لن تتغير طالما هضبة الجولان محتلة. والأرجح ان يعزز استمرار المواجهة مع سورية الحلف الذي عقدته سورية مع ايران. ويؤدي، في نهاية المطاف، الى انتشار قوات عسكرية ايرانية على الجبهة السورية - الإسرائيلية واستمرار المواجهة يؤدي الى دعم سورية أي طرف يعادي اسرائيل في المنطقة، ويجعل تقدم العملية السياسية مع الفلسطينيين عسيراً. والكلام هذا ليس معناه ان مسؤولية كبح ايران تقع على اسرائيل وحدها. فالاعتبارات الداخلية في العالم العربي، والاهتمام الخارجي في الولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا والصين، والاعتبارات الإيرانية نفسها، لها وزن كبير في معالم الشرق الأوسط في السنوات الآتية. وحوادث الأسابيع الأخيرة قرينة على الخطر الناجم عن إنجاز ايران قوتها النووية. وعلى اسرائيل ان تبذل وسعها في مواجهة هذا الخطر، وتسديد اثمان كانت تبدو الى وقت قريب، غير منطقية وغير ضرورية. عن اوري بن يوسف، الموقع الإلكتروني "معهد جافي للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلي" 15 آب اغسطس 2006