الهلع الذي انتاب رئيس الدولة العبرية، شيمون بيريز، عندما نشرت باسمه رسالة الى الرئيس السوري، بشار الأسد، يظهر جانباً من حالة الارتباك التي تصيب الاسرائيليين في ما يتعلق بالموضوع السوري. نقل عن الرئيس السوري بشار الأسد ان الرسالة التي وصلت اليه من بيريز بواسطة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، تقول إن اسرائيل على استعداد للتنازل عن الجولان مقابل وقف علاقة سورية مع ايران وما تسميه اسرائيل «محور الشر». وعلى الفور نشر مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بياناً نفى فيه أن يكون قد خول أحداً أن يتنازل باسمه عن أية أراض. وقصد بالطبع شمعون بيريز، الرئيس الذي يعتبر منصبه فخرياً وليست لديه صلاحيات دستورية. ارتعد بيريز من سرعة وحدّة رد نتانياهو، ونفى أن تكون بهذا المضمون. مع ان بيريز قال ان كلامه لم يرد في رسالة سرية، بل كان قد صرح به مرات للصحافة الاسرائيلية نفسها. هذه الحادثة، تعكس حالة التخبط التي تعيشها اسرائيل في خصوص ملف السلام ما يطرح السؤال عما اذا كانت هناك رغبة اسرائيلية حقيقية في سلام مع سورية ام انها تمارس تكتيكاً يتطلبه الوضع الذي تشهده المنطقة سواء على المسار السلمي تجاه الفلسطينيين او الامني تجاه سورية ولبنان وايران. وما بين هذا وذاك تخرج الاصوات الرافضة للسلام وبينها أصوات عسكريين سابقين كالنائب السابق لرئيس اركان الجيش، عوزي ديان، الذي شغل منصب رئيس دائرة التخطيط في الجيش ورئيس مجلس الأمن القومي، ويعتبر اليوم من المقربين لنتانياهو. فبالنسبة اليه سورية هي دولة «هدامة»، وعلى اسرائيل ان لا تفكر بسلام معها بل ان تباشر حملة دولية لعزلها كلياً». وصوت ديان يأتي في مقابل اصوات رئيس أركان الجيش وغيره من القادة العسكريين والامنيين والسياسيين الذين يعتقدون ان سلاماً مع سورية هو افضل الحلول لتحقيق اهداف اسرائيلية مهمة، في مركزها حفاظ اسرائيل على تفوق قوة ردعها في المنطقة وهو هدف يأتي بعد ابعاد سورية عن ايران و «حزب الله» وبالتالي عزل ايران، فضلاً عن ان مجرد بدء المفاوضات مع سورية يشكل عامل ضغط على المفاوضين الفلسطينيين. وفي قراءة أولية نجد ان الاقرب للحقيقة هو ان بيريز قد استمع جيداً لهذه الأصوات وتبناها على الفور كونها تلائم توجهه، فسارع لعرضها في رسالة الى الاسد عبر ميدفيديف. لكن بيريز تراجع، ليس لأنه لا يؤمن بمضمون الرسالة ولا حتى لأن تصريحات الأسد غير دقيقة، بل لأنه تعرض الى هجوم غير مسبوق من اليمين الاسرائيلي، الى حد وصفه ب «العميل» وجاءت الانتقادات متتالية: - النائب ميخائيل بن آري قال: «في مقر الرئيس يختبئ عميل في خدمة العدو». - النائب أرييه الداد «اذا كانت الأنباء عن أن بيريز ينبش مرة أخرى في السياسة يجدر به أن يعود ليراجع قوانين الدولة التي تحدد ما هي مهمات وصلاحيات الرئيس». - النائب ياريف لفين، رئيس اللجنة التي تعد في الكنيست قانون الاستفتاء الشعبي لاعتماده في أي اتفاق سلام مع سورية (بحيث يكون في حاجة الى تأييد 75 في المئة من المواطنين): «اذا كان مثل هذا الاقتراح قد صدر حقاً فإنه اقتراح هذياني مهين». - كرمل شما رئيس لوبي الجولان في الكنيست: «اذا ما قال ذلك فعلاً فهذا رأيه فقط، اذ ان الأمر ليس ضمن صلاحية الرئيس». بيريز وأمام هذه الاصوات اختار الدفاع عن نفسه عبر الهجوم على سورية. وقد قرر الوصول الى مركز للصناعات العسكرية في الشمال لاستعراض معدات عسكرية جديدة وصفها بالأكثر تطوراً في العالم وكرر موقفاً سابقاً له وقال: «نحن لسنا مستعدين لأن تواصل سورية الرقص في العرسين: من جهة تطلب انسحاباً من الجولان ومن جهة اخرى تنصب صواريخ ايرانية على الجبال الشمالية وتواصل دعم «حزب الله» وحركة حماس» ورأى ان سورية تخزن كمية ضخمة من السلاح تتألف من سبعين الف صاروخ تنصبها على الحدود الشمالية موجهة نحو اسرائيل. تصريحات بيريز هذه وضعت، من جديد، الملف السوري في مركز النقاش الاسرائيلي. وعلى رغم التركيز على تعزيز سورية قدراتها العسكرية، ومن جهة اخرى مواصلة دعمها «حزب الله» ومساندة ايران الا ان اصوات قادة الاجهزة الامنية، بمعظمها، رأت أن السلام مع سورية كفيل بتغيير قواعد اللعبة في المنطقة. وموقفهم هذا يتعزز امام تقديرات سياسيين وعسكريين اسرائيليين بأن الضربة العسكرية على ايران باتت شبه مستحيلة والسبيل لمواجهة الخطر الايراني هو بعزلها دولياً وأولى الخطوات لنجاح هذه المهمة هو سلام مع سورية. استخلاص قياديين بأن الضربة العسكرية بعيدة اليوم عن الواقع، يأتي بحقائق من شأنها ان تقلب حسابات تلك الاصوات التي تروّج لحرب مع ايران وتدعو الى رفض السلام مع سورية. والحقائق التي تستعرضها الشخصيات العسكرية والسياسية ترتكز على المقارنة بين الوضع الحالي لاسرائيل والوضع الذي أتاح لسلاح الجو قصف المفاعل النووي في العراق والضربة العسكرية على المفاعل النووي في دير الزور في سورية عام 2009. وبحسب هؤلاء فإن العملية ضد ايران ستكون أصعب وأكثر تعقيداً اذ يحتاج سلاح الجو على الاقل الى 120 طائرة قد لا تعود بسلام، والسماح له عبور اجواء دول عربية في طريقها الى ايران، وهذا غير متوافر. والاهم في هذا الجانب ان متخذي القرار اليوم يختلفون عن اولئك الذين قرروا الضربة على المفاعل النووي في العراق. ففي حينه، وبحسب استخلاصات السياسيين والعسكريين، كان مناحيم بيغن صاحب شخصية قادرة على اتخاذ القرار والحسم فيما بنيامين نتانياهو متردد. وفي حين كان وزير الدفاع، آنذاك، آرييل شارون، المعروف بمواقفه المعادية فإن وزير الدفاع الحالي، ايهود باراك ورئيس اركان الجيش، غابي اشكنازي شخصيتان غير متهورتين. واما الجانب الذي قد يكون ساهم في حسم استخلاصاتهم باستحالة الضربة العسكرية على ايران فهو ابعاد الضربة العسكرية واحتمال ان تؤدي الى حرب شاملة في المنطقة قد يقصف في أثنائها مفاعل ديمونة، في جنوب اسرائيل، الذي يعتبر قديماً جداً واية ضربة له ستؤدي الى تسرب اشعاعات نووية قد توقع كارثة لا يمكن تصورها. والدفع نحو سلام مع سورية يأتي من اصوات اخرى تعتمد في موقفها على ان الاجواء التي سادت جولتي المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية تشير الى احتمال وصولها الى طريق مسدود. ووصف اصحاب هذا الرأي عدم تجاوب حكومة نتانياهو مع مطلب الشروع بمفاوضات السلام بعدم المسؤولية. وفي هذا الجانب قال الرئيس السابق لاركان الجيش الاسرائيلي، دان حالوتس، ان بدء مفاوضات سلام مع سورية سيؤدي الى عزل ايران وابعاد دمشق عن «حزب الله» وطهران. ورأى حالوتس ان قرار السلام مع سورية ليس سهلاً، ويحتاج الى ثمن معروف، وهذا الأمر في حاجة الى من يقرر فقط». ولدعم موقفهم لجهة ضرورة السلام مع سورية يرى الاسرائيليون ان هذا السلام كفيل بأن يعطل على الاقل التهديد العسكري من جانبها، وان يصد سباق التسلح الذي باشره «حزب الله» وان يشوش على ايران، حتى لو لم تنقطع علاقاتها مع سورية. واعتبر هؤلاء «ان دولة عقلانية، حتى لو لم تكن تحب السلام كانت ستجري منذ زمن بعيد الحسابات وستدرك ان استمرار الاحتفاظ بالجولان يعظم احتمال المواجهة». الخائفون من السلام مقابل هذه الاصوات، وبعضها من شخصيات مقربة من نتايناهو، خرجت اصوات مناقضة تماماً وهي الاخرى من مقربين من نتانياهو تطرح وجهة نظر مختلفة تماماً. وكان اكثر اصحاب هذه المواقف وضوحاً نائب رئيس الاركان السابق، عوزي ديان الذي يقول بكل صراحة: «سورية هي دولة اشكالية جداً في المنطقة. ولا يوجد لذلك سبب»، ويتساءل ديان: «لماذا إشكالية؟ لانها تستضيف وتعطي غطاءً لتنظيمات ارهابية وتدعم شبكات ارهاب»، على حد تعبيره، ويضيف: «سورية تشكل محطة نقل سلاح من طهران الى «حزب الله». وسورية تدعم «حزب الله» وهو يبني عملياً استحكامات ايرانية ضد اسرائيل.. لهذا السبب»، يشدد ديان «على ان سورية تؤدي دوراً هداماً جداً في الشرق الاوسط علينا اليوم بذل كل جهد لعزلها وليس للشروع بمحادثات معها .. لا اعتقد ان على اسرائيل ان تعلن الحرب على سورية، لا سمح الله، اذ لا ينبغي ان تكون اسرائيل عدوانية ولكن، يجب ان نعزل سورية لا ان نقويها عبر المفاوضات معها». ويعتبر ديان انه يجب عدم التفاوض مع سورية لا مباشرة ولا في شكل غير مباشر ولا الحديث عن انسحاب من الجولان ويقول: «علينا العمل في المجتمع الدولي حتى تعتبر دول العالم سورية دولة هدامة». ويضع ديان رزمة من المطالب: - اولاً على سورية ان تترك لبنان بحاله. - يجب ان تغير طريقها كجزء من محور الشر. - يجب عليها وقف دعم التنظيمات الارهابية. ويضيف «سلام مع سورية يعني تقويتها ومواصلة دورها الهدام مع ايران والسيطرة على لبنان بواسطة «حزب الله» ودعم الارهاب في شكل غير مباشر». وهو يحملها مسؤولية عدم الاستقرار على الجبهة الشمالية ويقول: «المنطقة الشمالية هادئة لكنها غير مستقرة والسبب في ذلك الدعم الذي تقدمه سورية ل «حزب الله» وتساعده في السيطرة على لبنان. ويرى ديان «ان سياسة اسرائيل الصحيحة في هذه المرحلة، تتمثل في ان لا تكون عدوانية ازاء سورية ولبنان وتواصل سياستها الدفاعية ولكن... حتى يتواصل الاستقرار او الهدوء يجب على اسرائيل الحفاظ على قوة ردعها». ويعتبر ان اسرائيل اخطأت في عدم الرد بالشكل الكافي على عمليات اطلاق الصواريخ التي شهدتها بلدات الشمال الاسرائيلي بعد حرب لبنان الثانية، حتى وان كان «حزب الله» قد اعلن عدم مسؤوليته عن هذه العمليات. فبحسبه ان تعزيز القدرات العسكرية ل «حزب الله» وسورية، على حد سواء، يجب ان يكون الهدف في الرد على أية عملية ويقول: «مع كل خرق لوقف النار في الشمال يجب ان يعرف «حزب الله» انه الهدف الاول والمنظمات تحت سيطرته ثم حكومة لبنان والاهم، بحسب ديان، عدم تحييد سورية من الرد». وعن التدريبات التي تجريها اسرائيل من دون توقف يقول انها تأكيد على ان اسرائيل جاهزة ومستعدة. ويشير الى ان الهدوء القائم حالياً قابل جداً للانهيار والى انه لن يطول. وبرأي ديان فإن منع هذه الحرب لن يكون في سلام مع سورية بل بتحميلها المسؤولية وليس لبنان فقط ويقول: «يجب تحميل سورية المسؤولية لأن الحرب المقبلة لن توجه فقط ضد لبنان ولن تقتصر على مناطق جغرافية محدودة كما في حرب تموز (يوليو) ويختم: «لا حاجة لأن نرد من الآن ولكن يجب ان نؤكد ان مصالح «حزب الله» لا تسير جنباً الى جنب مع مصالح لبنان ولا حتى مصالح الشيعة في لبنان».