التحول من الطب البشري الذي درسه إلى مجال الأعمال الحرة، شكّل الملاذ الوحيد لأحمد 42 عاماً، من أجل كسب بعض الوقت لتمضيته مع أولاده. أحمد، أب لثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و 16 عاماً، يسعى إلى مشاركتهم في عطلتهم الصيفية، والتعويض عن غيابه معظم أيام السنة. يتأبّط أحمد جهاز كومبيوتر محمولاً، يساعده في الانتهاء من بعض الأعمال، من دون أن يؤثر ذلك سلباً في مخطّط العطلة الصيفية، الذي غالباً ما يضعه قبيل انتهاء العام الدراسي، ويحتوي على أنشطة ترفيهية وأخرى ثقافية ويحرص على مشاركتهم بها. "نظام التعليم يقطع أواصر العلاقات الأسرية نظراً الى الضغوط الفظيعة التي تمارس على الأولاد في المدرسة، ما يُقلّص فرص الحوار بيني وبينهم اثناء أشهر الدراسة"، يقول أحمد. ويضيف:"أحاول قدر الإمكان قضاء أطول وقت ممكن مع أولادي في العطلة الصيفية، لأنها فرصتي الوحيدة في التعويض عن البعد الذي تفرضه علينا مشاغل الحياة". نجاح أحمد في إعادة جمع العائلة، والتعويض عن الابتعاد القسري الذي تعاني منه معظم العائلات في مصر، أمر يكاد يكون شبه نادر. ما يجعل ردود الفعل الساخرة، سيدة الموقف عند السؤال عن علاقة الأب بأبنائه في عطلة الصيف. وتذهب النساء إلى الكلام عن غياب شبه تام للرجل في حياة العائلة إلاّ من خلال تأمين المصاريف والاحتياجات اللازمة."علاقة سطحية لا تخرج عن إطار تمويل أنشطة الإجازة"، عبارة تتكرّر، بأصوات يائسة، أضناها الضيق الاقتصادي. وترتبط بتعليقات من نوع"المذاكرة والدروس الخصوصية من جهة والعمل من أجل تأمين مصاريفهما من جهة ثانية، يساهمان في تضييق العلاقات بين الأبناء والآباء. إلاّ أنها تختفي في شكل كلي أثناء العطلة الصيفية". الدور الاقتصادي المتوجّب على الوالد يجعل منه الحاضر الغائب في العديد من الأسر المصرية على مدار العام. غياب الأب الذي تحوّل واقعاً في سبيل تأمين المستلزمات الحياتية، لم يحل دون التأثير سلباً في العطلة الصيفية، حتى في شقّها الاقتصادي. فبعد أن كان"المصيف"وجهة أساسية للأسر المصرية، تمضي فيه العائلة ما لا يقل عن أسبوع، أخذت هذه"المنظومة"تتقلص وتندثر إلى أن تحولت في العديد من الحالات إلى بضعة أيام تتوجه فيها الأم والأولاد إلى المصيف، ويحضر الأب من أجل توصيلهم أو إعادتهم ولكن ليس لقضاء الإجازة معهم. ظروف العمل القاسية أدت إلى مزيد من التهميش لدور الأب، إذ تعمّق الإحساس بأن هذا الدور يقتصر على كونه ممولاً لمصاريف الدراسة شتاءً وللأنشطة الترفيهية صيفاً. يقول أدهم 10 سنوات:"تمر أيام لا أرى فيها بابا. فهو يعمل طوال الوقت. وأتواصل معه عبر هاتفه المحمول أو في المكتب حين تحتدم الأمور بيني وبين ماما وأرى أن تدخله أصبح حتمياً". والد أدهم يعمل في شركة أجنبية في القاهرة، من الثامنة صباحاً إلى السادسة مساءً ويمتد دوام عمله حتى الحادية عشرة ليلاً أحياناً. فضلاً عن استدعائه أيام عطلته الأسبوعية، ما يُغيّبه عن منزله وولديه. تقوم أم أدهم بدور زوجها، في مختلف المواقف التي تتطلب وجوده، فتحلّ مكانه في فضّ الخلافات بين طفليها، وتحاول جاهدة التعويض عن غياب والدهما. وتقول ساخرة، من غياب زوجها الدائم:"لا تتوقف مقطوعة العزف المنفرد التي ألحنها وأكتبها وأعزفها وأقودها مع حلول الإجازات الصيفية، بل على العكس، تتفاقم لتتحوّل إلى عمل فني متكامل، موسيقى وغناء وتمثيلاً وأحياناً رقصاً". وتختلف المسألة في نظر ابنتها أميرة 12 عاماً، التي لا تجد في غياب والدها نكساً متكرراً بوعد لا يتحقق. وتقول:"في كل عام يعدني بابا بأنه سيمضي معنا أسبوعين في الإجازة الصيفية، ولكنه لا يفعل". وتضيف:"ماما تحذرني من الامتعاض من هذا الوضع، لأنه لولا عمل والدي، لاضطرارنا إلى الالتحاق بمدرسة حكومية وعجزنا عن تسديد مصروفات النادي ورسوم دروس البيانو الذي أعشقه. ومع كل ذلك أتمنى أن"يرفدوه"من عمله".