تخرج أبحاث ودراسات بين الفينة والأخرى تؤكد في معظم الأحيان وأحيانا أقل تنفي وجود علاقة وروابط متينة بين رؤية الأطفال لمشاهد عنيفة على التلفزيون وسلوكهم العدواني. في الغالب، تعتمد هذه الدراسات على مشاهدة الأطفال أفلام"كارتون"فيها مشاهد عنيفة أو مشاهدتهم مسلسلات تلفزيونية للكبار تتضمن مشاهد تفيض بالدماء. وبعيداً من قضية اعتبار هذا الأمر ترفاً معرفياً، باعتبار أن الأطفال ينمون في عالمنا العربي مع غريزة ميالة الى العنف بحكم الوضع المتوتر عندنا ومن حولنا، يبدو السؤال الأكثر منطقية هو: أين هذه الدراسات من تأثير مشاهد العنف في الكبار؟ التلفزيون ينقل إلينا مشاهد عنف لا حدّ لها: إنها لا تقتصر على حلقات"توم وجيري"الزاخرة بالقنابل التي تنفجر في توم، فتحوله رماداً، ولا تقتصر على أفلام الحركة الدموية صناعة هوليوود التي لا يفنى بطلها الذي يقتل الآلاف كل ليلة قبل النوم"بل تمتد لتصل إلى المحطات الإخبارية... وحتى الى المحطات الفنية. في نشرات الأخبار، وأيضاً في البرامج الحوارية، تصل الصورة إلى مشاهدها، الكبير عمراً في الغالب، على طبق من دماء: جثث متناثرة، تعود لمواطنيين عاديين مثله ودبابات واجتياحات وطائرات تحلق على ارتفاعات منخفضة إمعاناً في إرسال رسالة سياسية ما، وابقوا معنا إذ سنكون مع مزيد من الدماء بعد الفاصل! على المحطات الفنية يتجلّى الرعب بصور أقل دموية، لكن بعنف نفسي لا يقل أثراً: بدلاً من الجثث تظهر هنا أبدان لمغنيات يافعات قادرات على خلق أحاسيس لمن فقدها أو تبلدت عنده منابعها وجفت. بدلاً من الدبابات هناك طبول وآلات إيقاعية مجنزرات مثلاً. وبدلاً من الطائرات التي تحلق على علو مخفوض من دون ان ترشق بالمضادات الأرضية يتراشق مواطنون مشاهدون برسائل SMS قصيرة تعبر عن نفسياتهم في هذا الوقت بالذات:"بدّي أتعرّف"... مشاهد العنف، سواء تكللت بالدماء أم بالأبدان الخارقة للمقاييس الإنسانية التقليدية، لها تأثيرها في الكبار، كما تأثيرها على الصغار. ولكن النتيجة هنا ليست دفع الكبار نحو سلوك عدواني. إذ ربما تكون النتيجة فقدان الدافع من أساسه: هذا العنف، في أشكاله المتنوعة، يدفع المشاهد، كبيراً، وصغيراً ربما ونحن في حاجة إلى دراسات علمية تثبت ذلك! إلى القنوط والاكتفاء بالكبس على"الريموت كونترول"بلا وعي لما يظهر أمامه: هل أحصيت يوماً عدد المحطات التي مررت عنها من دون أن تشاهدها فعلياً؟ لا شك في أنك تحطم الرقم القياسي كل يوم.