} نشرت جمعية السيكولوجيين البريطانيين الدورية ذي سيكولوجيست نهاية العام الماضي مقالاً كتبه مارك غريفيث عن تأثير العاب الفيديو نورد اقساماً منه هنا بتصرف كبير. تتضمن العاب الفيديو، طبقاً للكاتب مارك عريفيث، الالعاب الموجودة في المخازن والصالات العامة المخصصة للهو التي توجد غالباً في المدن الكبرى في بريطانيا وغيرها من الدول الغربية وغير الغربية وفي المنتجعات الشعبية، كما تتضمن العاب الكومبيوتر التي يمارسها هواتها في منازلهم والعاب الكومبيوتر "النقّال" والالعاب التي تُعرض على اجهزة الكومبيوتر الشخصية. من اكثر ما يقلق المعنيين من العاب الفيديو كافة ان معظمها يتضمن عنصراً عدوانياً ما ادى الى ان يقول البعض الباحث ان الاطفال والاحداث يصبحون اكثر عدوانية بعد ممارسة هذه الالعاب او مشاهدتها. لكن هذا البعض لم يستند دائماً الى ابحاث علمية يعوّل عليها. وعلى رغم الحوار العلمي الساخن الدائر منذ نحو خمسة عشر عاماً حول هذا الموضوع، لم تشهد الساحة العلمية ابحاثاً تجريبية منتظمة تضع نتائجها حداً لهذا الحوار ولو الى حين، على اعتبار ان الادلة العلمية معرضة دائماً للتحدي والمراجعة. وازداد هذا الامر اهمية اخيراً لان الالعاب الجديدة، مثل لعبة "مورتال كومبت" القتال او النزاع المميت تستخدم او تعرض مشاهد "عنف واقعية" بمعنى انها متطرفة في عنفها وتحاكي الواقع الى حدّ بعيد. من الوجهة النظرية قد تشجع العاب الفيديو على ظهور الميول العداونية على ممارسة العدوان كما يتوقع محازبو نظرية التعلّم الاجتماعي ويتكهنون، او تشجّع على اطلاق الميول والنوازع العداونية المكبوتة بالفعل او بالتخيل كما يتوقع محازبو نظرية "التنفيس". والمعلوم ان نظرية التعلّم الاجتماعي تقول بأن ممارسة العاب الفيديو العدوانية، على سبيل المثال تؤدي الى قيام الفرد الممارس لهذه الالعاب بمحاكاة السلوك العدواني، اي ان الطفل او الحدث يقلّد ما يشاهد على "الشاشة". اما نظرية التنفيس فتقول ان ممارسة العاب الفيديو "تريح" الطفل/ الحدث و"تُسعده" لانها تعرف العدوانية "النائمة" او الكامنة فيه وتطلقها من عقالها من دون ان يمارس العدوان بالضرورة ومن دون ان تشجعه الالعاب نفسها على ممارسة العدوان مباشرة، ما يؤثر على نحو ايجابي على السلوك الفعلي للطفل/ الحدث او يهذب هذا السلوك. ومما لا شك فيه ان عدداً كبيراً من العاب الفيديو عدواني بطبيعته ويتضمن مشاهد قتل وموت وتخريب. ووجد عالمان درسا ثماني وعشرين لعبة فيديو عام 1983 ان اربعاً وعشرين لعبة من هذه الالعاب تضمنت قيام "الابطال" فيها بالتخريب والقتل او بأعمال عنف اخرى. نتائج محتملة ولا يعرف الباحثون الا القليل القليل عن النتائج المحتملة بعيدة المدى لممارسة العاب الفيديو التي تتسم بالعنف والعدوانية، لكن عدداً كبيراً من الباحثين يعرب عن قلق عميق حيال هذه الالعاب على اعتبار انها قد تكون اكثر ايذاء وضرراً من مشاهد العنف والقتل والتخريب على التلفزيون لأن الطفل في العاب الفيديو لا يشاهد على نحو سلبي فقط بل "يمارس" العنف ويتورط فيه، اي ان مشاهدة التلفزيون هي في الاساس سلوك سلبي غير متفاعل بينما تشكل العاب الفيديو وسيطاً متفاعلاً نشطاً. ويقول احد الباحثين ان الاطفال والاحداث يفضلون العاب الفيديو على مشاهدة التلفزيون لانها تسمح لهم بمزيد من السيطرة على ما يشاهدونه وبالتحكم به، اي تسمح لهم بالتفاعل بحرية مع الموضوع. ومنذ فترة والدراسات تزداد وهي تسعى الى كشف ما يمكن ان يكون هناك من ارتباط بين ممارسة العاب الطفل او الحدث بعد هذه المشاهدة او الممارسة. لكن الدراسات كافة تناولت حتى الآن نتائج الممارسة او المشاهدة في المدى القصير. وفي هذا المقال نتائج بعض الدراسات المهمة التي القت الضوء على هذا الموضوع الذي لا شك في انه يهمّ الوالدين وسائر المعنيين بالشأنين التربوي والتوجيهي. واهتم بعض الدراسات بالفرق بين سلوك الطفل قبل ممارسة لعبة فيديو عداونية وبين سلوكه بعد الممارسة من طريق مراقبة اللعب الحرّ الطليق والعفوي الذي يمارسه الطفل. ويقول باحثان راقبا لعب اطفال بين التاسعة والعاشرة من العمر، بعدما شاهد هؤلاء الاطفال العاب فيديو ذات طبيعة عدوانية، ان نشاط البنات العدواني ازداد على نحو ملحوظ بعد ممارسة العاب الفيديو العدوانية، بينما لم يتأثر سلوك الصبيان بهذه الالعاب. ووجد باحثان آخرن ان اطفالاً بين الرابعة والسادسة من العمر اصبحوا اكثر عدوانية بعدما لعبوا لعبة فيديو عدوانية. ولم يجد الباحثون الاربعة المشار اليهم، من جهة اخرى، اي فرق يذكر في السلوك العدواني بين الاطفال الذين مارسلوا العاب الفيديو وبين الذين اكتفوا بمشاهدتها على نحو سلبي. ودرس خمسة باحثين لعب أطفال بين الخامسة والسابعة من العمر بعدما مارسوا ألعاب فيديو عدوانية وخلصوا الى ان سلوك هؤلاء الأطفال أصبح يشبه سلوك "البطل" الذي تحكّم هؤلاء الأطفال بسلوكه فيما كانوا يمارسون لعبة الفيديو. فالطفل الذي مارس لعبة في غابة من الغابات لعب بعد ذلك بألعاب مستوحاة من الغابة، بينما ازدادت عدوانية الطفل الذي مارس لعبة فيديو عنيفة او متسمة بالعدوانية. واكتشف باحثان آخران ان الأطفال الذين مارسوا ألعاب فيديو عدوانية أصبحوا بعد ذلك اكثر عدوانية حيال الأشياء تخريبها وحيال الأطفال الآخرين الاعتداء عليهم عندما وجدوا في وضع محبط او مخيّب للأمل. ممارسة وتوحي هذه الدراسات التي تناولت الأطفال والأحداث بأن ممارسة ألعاب الفيديو العدوانية تعزز سلوك الطفل او الحدث العدواني وتزيد تكراره، على الأقل في المدى القصير. لكن من المحتمل ان تكون طريقة البحث في هذه الدراسات، وهي طريقة المراقبة التحليلية للعب الحر العفوي، ساهمت في اظهار النتائج التي ظهرت بالفعل لعدم دقة هذه الطريقة ولأسباب أخرى فنية منهجية لا مجال للخوض فيها في هذا المقال. وأنكب عدد من الباحثين على دراسة ما يقوله الأطفال انفسهم عن انفسهم بعد ممارسة ألعاب الفيديو العدوانية. ووجد باحثان من هؤلاء ارتباطاً وثيقاً بين ممارسة الأطفال لألعاب الفيديو العدوانية وبين تصنيف معلمي هؤلاء الأطفال لهم كأطفال عدوانيين ومتهورين. ووجد باحث علاقة وثيقة بين ممارسة ألعاب الفيديو العدوانية وبين ايجابية مواقف ممارس هذه الألعاب من الأطفال والأحداث حيال الحرب والنزاعات المسلحة لفض الخلافات بين البشر، ما يؤيد الى حد ما نظرية "التنفيس". لكن باحثين آخرين وجدا ان ممارسة ألعاب الفيديو العدوانية قد تؤثر سلباً، في المدى القريب، على الوضع العاطفي لممارس هذه الألعاب، وأن ممارسة الألعاب المغالية في العدوانية تزيد الروح العدائية وتعززها، كما تعزّز الشعور بالقلق والاضطراب العامين. ووجد باحثان ان طلاباً جامعيين ازدادوا شعوراً بالعداء والعدوانية فيما كانوا يتخيلون ممارسة ألعاب فيديو، لا فيما كانوا بالفعل يمارسون هذه الألعاب. وكشفت دراسة قام بها ستة باحثين، تناولت احداثاً تراوح أعمارهم بين اثني عشر عاماً وثمانية عشر عاماً، عن ارتباط وثيق بين مقدار ممارسة ألعاب الفيديو وبين مستوى العدوانية التي يقول الحدث نفسه انه يشعر بها، وهي نتيجة تتماشى مع نتائج دراسات اخرى كشفت ارتباطاً وثيقاً بين مقدار ممارسة ألعاب الفيديو العدوانية وبين الميول العدوانية. مراهقون ويقول باحثان ان المراهقين الذين سئلوا عما اذا كانوا يعتقدون بوجود علاقة ارتباطية وثيقة بين ممارسة ألعاب الفيديو وبين ازدياد حدة العدوانية فيهم أجابوا بالايجاب. لكن هذه الدراسات قد تشير الى ان الاحداث الأكثر عدوانية أصلاً ينجذبون نحو ممارسة ألعاب الفيديو بدلاً من ان تكون العدوانية فيهم نشأت بسبب ممارسة ألعاب الفيديو، أو الى ان العدوانية هي نتيجة هذه الممارسة. ويجدر القول هنا ان الدراسات الارتباطية، أي التي تربط ما بين متغيرين بحيث ان التحول في متغير يترافق مع تحول في متغير آخر، ليست مقنعة لأن الترابط بين متغيرين لا يشير الى ان تحول أحد المتغيرين سبب تحول الآخر، بل يشير الى ارتباط سببي رجعي بمعنى ان الفرد العدواني مثلاً ينجذب نحو ألعاب الفيديو العدوانية، ولأن الترابط قد لا يكون سبباً مباشراً بل قد ينشأ من عوامل اخرى وسيطة مثل تدني المستوى الثقافي أو مستوى المكانة الاجتماعية والاقتصادية، وهو التدني الذي قد يكون مرتبطاً، كارتباط العلة بالمعلول، بممارسة ألعاب الفيديو وبالسلوك العدواني معاً. سلوك وكشف بعض الباحثين ان ألعاب الفيديو العنيفة قد تؤثر على سلوك الطفل غير العدواني وتجعله سلبياً، أي ان الطفل يصبح بخيلاً غير متعاطف مع صاحب حاجة بعد مشاهدة العنف بخلاف ما يصبح عليه بعد مشاهدة أو ممارسة ألعاب فيديو تتضمن تعاطفاً اجتماعياً. والحقيقة، بعد هذا كله، ان الدراسات التجريبية هي التي تستطيع دون غيرها توفير الأدلة المقنعة على ان ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة أو مشاهدتها تسبب ازدياد العدوانية أو تسبب "نشوء" العدوانية. لكن الدراسات التجريبية القليلة التي اجريت بالفعل كشفت ان العدوانية التخيلية تخيل العدوانية تطلق الطاقة التي يمكن ان يعبر عنها بالسلوك العدواني الفعلي ما يؤيد الى حد ما نظرية "التنفيس". لكن بالنظر الى ان الدراسات التجريبية التي تجري في المختبرات، لا تستطيع دراسة السلوك العدواني الجدي لأسباب اخلاقية، تتطلب الأدلة الدامغة تجارب ميدانية طبيعية. لكن لسوء الحظ لم تجر بعد دراسات من هذا القبيل تتناول ألعاب الفيديو مثلما جرت دراسات تناولت التلفزيون العادي وتأثيره على السلوك. فوائد ومن جهة اخرى خلصت جماعة متعاونة من الباحثين، استخدمت الطرق العلمية المتوافرة كلها والتي منها، تمثيلاً لا حصراً، الاعراب الذاتي عن المشاعر والمواقف، والتجارب العلمية المخبرية والمراقبة المنتظمة، الى أن العاب الفيديو قد تفيد الأطفال في المدى القريب اذ ان نتائج أبحاثهم مالت نحو تأييد نظرية التنفيس وهي أن ألعاب الفيديو العنيفة "تطلق" النوازع العدوانية في شكل منضبط ومقبول اجتماعياً، وان ممارسة هذه الألعاب قد تفيد تبعاً لذلك في المدى القصير. ويقول أحد الباحثين الذي يتخصص في معالجة الأطفال والأحداث الذين يشكون من اضطرابات عاطفية نفسية وسلوكية ان ألعاب الفيديو تساهم في "اطلاق" النوازع العدوانية تنفيسها وفي ضبطها. وتجدر الاشارة الآن الى أن الدراسات، التي تزداد عدداً وتتناول العلاقة السببية بين ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة وبين العدوانية، لم تشر إلا الى احتمال ان تؤثر هذه الممارسة أو مشاهدة الألعاب على السلوك العدواني في المدى القصير. ويشير معظم الدراسات التي تناولت الأطفال لا الأحداث ولا الذين هم أكبر سناً منهم الى أنهم يصبحون أكثر عدوانية بعد ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة أو مشاهدتها، لكن هذه الدراسات استخدمت طريقة مراقبة اللعب العفوي غير المقيّد الذي يمارسه الطفل. وتوحي الأدلة المستمدة من هذه الدراسات بدعم نظرية التعلم الاجتماعي التقليد أكثر مما توحي بدعم نظرية التنفيس وبخاصة في صغار الأطفال، لكن قيمة هذه الدراسات تتدنى الى حد ما بسبب تساؤلات ذات أهمية تتناول ما إذا كان قياس العدوانية صحيحاً ويعوَّل عليه و"بريئا" من كل تشكيك. وثمة مسألة أخرى هي ما إذا كانت ألعاب الفيديو تؤثر في السلوك بصرف النظر عن سن الذي يشاهدها أو يمارسها، ما يدفع البعض الى القول ان هذه المشاهدة أو الممارسة تؤثر في صورة بيِّنة على صغار الأطفال لكن تأثيرها الضار يقل فيما يبلغ الطفل سناً بين العاشرة والعشرين. كما ان نتائج الدراسات قد تتأثر بما إذا كان الفرد يمارس ألعاب الفيديو ويشاهدها وحده أو مع آخرين أو بالتنافس معهم أو مع آخر فثمة أدلة تشير الى أن التنافس يزيد العدوانية ويعززها. وهناك مشكلة أخرى في هذه الأبحاث كلها تتناول تعريف "العنف" أو العدوانية، اذ أن صور "توم أند جيري" المتحركة تعتبر عنيفة بالنسبة الى الأبحاث التي تتناول وسائل الاعلام على رغم ما فيها من تسلية في نظر البعض. وبالنظر الى أن ألعاب الفيديو كلها هي صور متحركة تدب فيها الحياة، قد تنطبق هذه المشكلة عليها أيضاً. ولا توجد أبحاث حتى الآن تتناول الآثار البعيدة المدى التي تخلفها ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة أو مشاهدتها على السلوك. لكن من البيِّن ان هذه الممارسة أو المشاهدة قد تؤدي الى سلبيات وايجابيات فإذا صممت هذه الألعاب بعناية وكانت خلفياتها سوية صحيحة ففيها قوة كامنة لتفيد في التأهيل والتعليم وفي علاج الاضطرابات النفسية والسلوكية وفي تزويد الفرد بمهارات تتطلب التنسيق بين مختلف الوظائف الجسدية والنفسية في محاكاة ما يجري في الحياة الطبيعية اليومية. لكن ما نحتاج اليه هو تصنيف ألعاب الفيديو اذ قد يكون بعضها ذا اثر ايجابي جداً على السلوك بينما البعض الآخر ليس بهذه الايجابية. والمعلوم ان السوق متخمة بعدد كبير مختلف متنوع من هذه الألعاب التي لكل منها خصائصه الفريدة. وثمة ثلاثة أنواع فقط تتضمن عنصراً عدوانياً. وإذا أخذ هذا في الاعتبار يصبح بالامكان، على الأرجح، استخدام ألعاب الفيديو في العمليتين التربوية والتأهيلية. وخلاصة القول هي ان الابحاث العلمية لا تستطيع حتى الآن البت نهائياً في ما إذا كانت ألعاب الفيديو تروّج للسلوك العدواني أو تعززه لأن الأدبيات العلمية الخاصة بهذا الموضوع قليلة نسبياً وتكشف نتائج متناقضة على نحو لا يستهان به. ومن جهة أخرى تمتلئ السوق بعدد كبير متنوع مختلف من ألعاب الفيديو التي من المرجح ان يؤثر كل منها على سلوك الأطفال والأحداث على نحو يختلف عن تأثير أي من الألعاب الأخرى على هذا السلوك.