أقرت الحكومة الجزائرية بدءاً من أول تموز يوليو الجاري زيادات مهمة في أجور حوالى 1.5 مليون موظف وعامل يشتغلون في القطاع العام تتراوح من 2500 و 8500 دينار جزائري، إلى جانب علاوات تكميلية لمصلحة 900 ألف متقاعد وعاجز تقل معاشاتهم عن 10 آلاف دينار، ما يعادل الحد الأدنى للأجور. وجاء الإعلان عن الزيادات الجديدة طبقاً لقرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أعلن أيضاً عن إنشاء"صندوق احتياط التقاعد"لضمان معاشات المتقاعدين للأجيال القادمة يموّل بنسبة معينة من أموال الريع النفطي، في انتظار صدور قرارات أخرى برفع أجور عمال القطاع الخاص وزيادة الحد الأدنى للأجور في أيلول سبتمبر المقبل. وبعد أخذ ورد، ومسلسل من الإضرابات والاعتصامات التي خاضتها خلال السنوات الأخيرة تنظيمات نقابية غير معتمدة قادت بعض زعمائها إلى العدالة، وبعد مفاوضات ماراثونية بين الحكومة والاتحاد العام للعمال الجزائريين النقابة الوحيدة المعتمدة في الجزائر، ونداءات حزبية"ملحة"، وافق الرئيس بوتفليقة أخيراً على الاستجابة لمطالب العمال الجزائريين بإقرار زيادات أجور موظفي القطاع العام على اختلاف مناصبهم، وزيادات مرتقبة لعمال القطاع الخاص، في انتظار زيادة" أهم"وباتت مؤكدة للحد الأدنى المضمون في أيلول المقبل. وجاء إعلان الرئيس بوتفليقة عن قراراته في خطاب ألقاه في 25 حزيران يونيو الماضي وأعلن من خلاله عن تخصيص 98 بليون دينار لأجور عمال القطاع العام، أي ما يعادل 1.4 بليون دولار سنوياً، و13.5 بليون دينار لمعاشات المتقاعدين التي تقل عن 10 آلاف دينار. وبعد ثمانية أيام فقط من قرار الرئيس الجزائري المفاجئ، التقى هذا الأسبوع رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم وفداً من الاتحاد العام للعمال الجزائريين برئاسة عبد المجيد سيدي السعيد في لقاء دام ساعة ونصف فقط على خلاف كل اللقاءات السابقة بين الطرفين وخرجا ليعلنا عن تفاصيل الزيادات الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ بدءاً من الأول من شهر تموز الجاري، وتدرج موازنتها ضمن الموازنة التكميلية لسنة 2006 التي ستعرض على مجلس الوزراء الأحد المقبل، على أن يصدر القانون بمرسوم رئاسي. وأعلن رئيس الحكومة الجزائري في ختام لقائه بوفد النقابة"إن الزيادات في الأجور تأتي لاستدراك الانجراف الذي عرفته أجور العمال"، في حين قال ممثل رئيس نقابة العمال:"تعد هذه الزيادة خطوة أولى في مسار مراجعة شبكة الأجور، في انتظار زيادات أخرى في أجور عمال القطاع الخاص في أيلول المقبل خلال القمة الثلاثية بين الحكومة والنقابة ومنظمات أرباب العمل"، مضيفاً بلهجة المتفائل والمنتصر:"ستساهم هذه الزيادات التي أقرها الرئيس بوتفليقة في التوصل إلى الاستقرار الاجتماعي، خصوصاً بعد التوصل إلى رفع الأجر التقاعدي الأدنى المضمون في القمة الثلاثية". كما أعلن بوتفليقة عن تخصيص صندوق لضمان المعاشات للمتقاعدين، وللأجيال القادمة، حيث ستخصص نسبة معينة من الريع البترولي لتمويل الصندوق. وأفادت مصادر وزارية"الحياة"إن الرئيس بوتفليقة هو من سيقرر شخصياً هذه النسبة. وشكلت الزيادات المعلنة للأجور مفاجأة للرأي العام الجزائري على اختلاف مواقعه، بما في ذلك أحزاب المعارضة ونقابات العمال، وحتى للطبقة العاملة نفسها. ذلك أن الرئيس بوتفليقة ظل إلى وقت قريب"متحفظاً"على مبدأ الزيادة في الأجور، على خلاف رئيس الحكومة الحالي عبد العزيز بلخادم والأمين لحزب جبهة التحرير الوطني الذي كان من دعاة رفع الأجور ووصفه ب" المطلب المشروع"، بينما وقف رئيس الحكومة المستقيل أحمد أويحيى والأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي في مقدم الرافضين للزيادات، قبل أن يغير رأيه بعد صدور قرار الرئيس الجزائري. وكان بوتفليقة صرح في خطاب بمناسبة ذكرى تأميم النفط الجزائري في 24 شباط فبراير الماضي، إن الإقرار بزيادات الأجور لا ينبغي أن يقوم على مبدأ تحسن الريع النفطي والاستقرار الاقتصادي فقط، مشدداً على"ضرورة ربط الزيادة بمستوى النمو والإنتاجية ونسبة التضخم"، مضيفاً"أن أي أمر خارج هذا الإطار سيهدد المؤسسات الاقتصادية بالإفلاس". وكان بوتفليقة برر تحفظه، الذي أثار حالة استياء وتشاؤم في نفوس العمال قبل أربعة أشهر بالقول:"إن الأجور تضاعفت في السنوات الخمس الأخيرة وارتفع دخل الفرد من 1700 دولار إلى 2500 دولار، ما أثقل كاهل خزينة الدولة"، مضيفاً"بإمكاني توزيع احتياطات الصرف في مغلفات مالية على الجزائريين، وبإمكاني أن أقول أن كل المؤشرات خضراء، لكنني لست من أولئك الذين سيقولون من بعدي الطوفان". وإثر الخطاب، تصاعدت الإضرابات والاعتصامات العمالية مجدداً، قبل أن يحدث ما لم يكن في الحسبان، اذ أعلن رئيس الحكومة أحمد أويحيى استقالته لأسباب اختلفت حولها الآراء، وخلفه عبد العزيز بلخادم زعيم حزب الأغلبية الذي كان وراء رحيل أويحي بعد أن انتقدت جبهة التحرير الوطني أداءه على رأس الجهاز التنفيذي. وبعد أقل من شهر ونصف على تعيين بلخادم على رأس الحكومة، أعلن عن الزيادات الجديدة في الأجور بعد أن وضعها في صدارة أولوياته على رأس الحكومة التي فضل بوتفليقة الاحتفاظ بطاقمها كاملا. ورحبت معظم التنظيمات النقابية والأحزاب السياسية بقرار الرئيس الجزائري، ووصفه حزب العمال المعارض بقيادة لويزة حنون ب" اللفتة القوية التي تتحرر بموجبها الجزائر من تعليمات البنك الدولي"، في إشارة إلى توصيات وتحذير صندوق النقد الدولي من اعتماد هذه الزيادات في الأجور وتحذيره من عواقبها على الاقتصاد الجزائري، كما جاء في وقت سابق على لسان وفد من المنظمة في زيارته للجزائر، ما أثار استياء عدد من التنظيمات النقابية والأحزاب. ووصفت خطوة الصندوق ب"تدخل في الشؤون الداخلية"، بينما حرصت الحكومة الجزائرية على التأكيد أن تصريحات ممثل الصندوق حينها كانت مجرد توصيات غير ملزمة ولا تمس بالسيادة الجزائرية. بيد أن الحزب العمال المعروف برفضه الشرس لسياسة التخصيص ومطالبته الملحة بضرورة تجميد قانون الهيدروكارونات الجديد، طالب بالمقابل برفع الأجر التقاعدي الأدنى المضمون من 10 آلاف إلى 25 ألف دينار. لكن قرار الرئيس الجزائري لم يمرّ كما كان متوقعاً، من دون إثارة تحاليل متضاربة حول خلفياته، ذهبت بعضها إلى وصف الخطوة بحملة انتخابية تسبق إرادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعديل الدستور المرتقب في تشرين الأول أكتوبر أو تشرين الثاني نوفمبر المقبل، والحصول من ثم على دعم الشعب له لولاية ثالثة. في المقابل، لا يبدي كثير من العمال اهتماماً كبيراً بتلك التحاليل وخلفيات قرار الرئيس، بقدر ما يهمهم أن ترتفع أجورهم وتتحسن قدرتهم الشرائية ليلمسوا تحسن الأوضاع الاقتصادية في واقعهم المعيشي، في بلد يملك احتياط عملات صعبة يفوق 64 بليون دولار. وللمرة الأولى منذ سنوات، يحل الصيف للجزائريين سلاماً ورضى، فانصرف العمال الى عطلهم، ترافقهم بشائر زيادات الأجور المعلنة، في انتظار تلك التي ستليها، بينما يظل الهاجس الأول مراجعة الحد الأدنى المضمون للأجور في مرحلة أولى، ومراجعة قيمة الدينار الجزائري في مرحلة لاحقة.