ما ان اعلن موظف الاستعلامات في المشرحة عن وجود جثتي شابين هما سيف ومحمد حتى انجذب وجه ابو سيف بما لا يتناسب ووقفته امام مبنى"مشرحة الطب العدلي"في بغداد متناسياً مأساة فقدان ولديه، وكأن لسان حاله يقول:"ان المأساة لم تعد تتمثل بالموت بل بالعثور على جثة الضحية"، ويؤكد مقربون من ابي سيف ل"الحياة"ان ولديه قتلا في منطقة الدورة عندما اعترضت جماعة مسلحة الحافلة التي كانت تقلهما الى الجامعة وأعدمت جميع من فيها. ومن حينها وابو سيف يقف امام بوابة المشرحة في انتظار وصول جثتي ولديه بعد ان يأس من العثور عليهما احياء في واحد من مستشفيات بغداد. وتروي ام مهند حكايتها مع المشرحة فتقول ل"الحياة":"قتلت ابنتي وزوجها المدير العام في احدى المؤسسات الحكومية ولم انجح في العثور على جثتيهما على رغم مرور اسابيع على وقوع الحادث"وتضيف:"لم اترك مستشفى او ثلاجة موتى او مشرحة في بغداد الا وطرقت بابها". وتتوقف لالتقاط انفاسها بعد ان اغرورقت عيناها بالدموع لتواصل حديثها:"لقد شاهدت هنا امام المشرحة صوراً يشيب لها الرأس: جثثاً مقطوعة الرأس واخرى مفقوءة العين وثالثة لم يتبق من معالمها شيء يذكر". هذان المشهدان ومشاهد اخرى تتكرر كل يوم في دائرة الطب العدلي التي لا تكاد تمر ساعة ولا تتسلم 3 الى 4 جثث مجهولة الهوية وجدت على قارعة الطريق. وكانت الاغتيالات على الهوية بدأت تتصاعد وتيرتها منذ حادث تفجير قبة مرقدي الامامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء السنية شمال بغداد في شباط فبراير الماضي. وتقول ام سامر 60 عاماً التي تلفعت بالسواد حزناً على زوجها وولديها الذين كانوا في سيارتهم الخاصة خلال عودتهم من متجرهم في منطقة الكرادة وسط بغداد حين قتلوا"وجدنا السيارة متروكة على الطريق لكن لم نجد اثراً لجثثهم، وها انا اجلس امام المشرحة منذ الصباح الباكر حتى الساعات الاولى من المساء بانتظار استلام جثثهم بعد ان تأكد لي وجود جثثهم في المشرحة من خلال احد موظفيها الذي استدلّ عليهم وفق العلامات التي حددتها له"وتضيف:"لقد مضت ثلاثة ايام وانا انتظر استلامهم من المشرحة ولكن تزايد اعداد القتلى وضحايا الانفجارات يعرقل عملية التسليم". ويعتبر حيدر كريم ان،"القتل صار فناً يتباهى به الارهابيون وعناصر الجماعات المسلحة، ويقول:"لقد شاهدت بالأمس جثة شاب قطع رأسه ووضع داخل بطنه الى جانب ثلاثة رؤوس فصلت هي الاخرى عن جثثها". وأوضح حيدر ان جثة ولده التي يبحث عنها فقدت في هذه الدائرة بسبب الاهمال والفوضى والاعداد الكبيرة من الجثث التي تصل يومياً الى الحد الذي اصبح معه من الصعوبة بمكان التعرف اليها. وأشار احد موظفي الدائرة، الذي طلب عدم ذكر اسمه الى ان ثلاجة الموتى لا تزيد طاقتها الاستيعابية عن خمسمئة جثة في حين تتسلم ضعف هذا العدد خلال يومين او ثلاثة"وهذا ما يضطرنا الى ان نضع الجثث الزائدة خارج المشرحة، وهذا بحد ذاته عامل تشويه آخر للجثث المشوهة اصلاً نتيجة تعرضها مباشرة للتغيرات المناخية ما يجعلها عرضة للتفسخ والانتفاخ وبالتالي تتشوه الملامح فيصعب على ذويها التعرف اليها. الدكتور قيس حسن، معاون مدير دائرة الطب العدلي قال ل"الحياة":"ان قضية تراكم الجثث دفعتنا للحصول على اوامر قضائية لدفن الجثث الموجودة في ثلاجات المشرحة بعد مضي اسبوع على وصولها وعدم السؤال عنها"، واضاف:"الا اننا قبل دفنها نلتقط صوراً لها وندون تفاصيل الجثة في سجلات خاصة كلون العين والعمر ولون الملابس ونوعها والعلامات الفارقة ان وجدت واية آثار يمكن الاستدلال من خلالها على الجثة، والى جانب ذلك يتم ترقيم الجثث وبالتالي القبور"، ويضيف"يتولى عملية دفن الجثث المجهولة متطوعون من الوقفين السني والشيعي"مشيراً الى احتفاظ الدائرة بسجلات يشار فيها الى اشلاء الانتحاريين او صورهم. من جانبه قال الدكتور صباح الربيعي، المدير العام لغرفة العمليات في وزارة الصحة ل"الحياة":"انه خلال الأسابيع الأخيرة ارتفعت نسبة ضحايا العنف الطائفي بمقدار 30 في المئة عما كانت عليه بسبب تزايد اعمال القتل والتفجيرات الارهابية بما فيها قتل المخطوفين من دوائر حكومية او مدارس ومؤسسات اخرى والتي غالباً ما ترى جثثهم في مكبات القمامة او الساحات المهجورة فضلاً عن تلك الجثث التي يتم انتشالها من الانهار والمستنقعات وجثث الوفيات الطبيعية. +++++++++