"في المحن والشدائد، لن تجد كثر من الجزائريين تضامناً" ، هذا ما يردده الجزائريون بكثير من الفخر والاعتزاز، بل إنهم لا يمانعون في المزايدة على غيرهم من الشعوب بالقول إنهم في المصائب والأزمات لا يمكن إيجاد من هو أكثر تعاوناً وتضامناً وميلاً للتطوع من الجزائريين. والواقع، أنه ليس في هذا السلوك ما يدعو الى اتهام الجزائريين بالغرور، فالشعور بالرغبة في التضامن والتطوع لأجل الغير قناعة وپ"همة"تولدت فعلاً لدى شعب كاد يقترن تاريخه بالأزمات على اختلافها، من الاستعمار، مروراً بالإرهاب، وصولاً إلى الزلازل والفيضانات, حتى بات اسم الجزائر مرادفاً للأزمات التي ولدت لدى الجزائريين روح التضامن والتطوع، لمجابهة عدو مشترك، أياً كانت هويته. أما المفارقة التي يعترف بها الجزائريون في الوقت نفسه، فهي عودتهم إلى"التفرق"والخلاف بمجرد أن تزول الأزمة, ليتحول فعل الخير والتطوع إلى سلوك غريب في أحيان كثيرة. استفز هذا الواقع الرئيس بوتفليقة، فصارح به الجزائريين في إحدى خطبه بعد زلزال بومرداس الذي أودى بحياة المئات وحوّل مدينة بأكلمها إلى ركام، فتدفق الجزائريون من داخل الوطن وخارجه، وباتوا في العراء من أجل إنقاذ المنكوبين. قصة الجزائريين مع التطوع، قصة متناقضات كثيرة لا تستثني الشباب الذين يرون في التطوع سلوكاً"رجولياً"قبل كل شيء. ويقول جمال جدي 21 عاماً الطالب الجامعي وعضو الكشافة الإسلامية الجزائرية:"التطوع عمل خيري لوجه الله لا غير، ومنذ الصغر نشأ لدي حب فعل الخير من أجل الآخرين، وحينما وقع زلزال بومرداس، حزنت كثيراً لأنه صادف فترة امتحانات البكالوريا، لكني استجبت لنداء التضامن وسافرت براً لنجدة المنكوبين بمجرد انتهاء الامتحانات". ويعترف جمال بأن التطوع ليس علماً سهلاً وميسراً للجميع, يقومون به من دون أدنى عقبة أو مطب - كما قد يبدو لكثيرين - خصوصاً في فترات الحروب والأزمات، يقول:"في فترة الإرهاب، كانت عائلتي تلجأ إلى اخفاء بدلتي الكشفية ومنعي من المشاركة في حملات تضامنية مخافة الموت، بعد أن قتل الإرهابيون أطفالا كشفيين في انفجار قنبلة وهم يزورون ضريح شهداء الحرب لمناسبة العيد الوطني للكشافة، بل وحدث أن ضربني والدي لمنعي من الذهاب إلى الكشافة، ولكن حب التطوع لدي أكبر من أن يقاوم". أما إكرام 25 عاماً فشاركت في حملات تطوعية منذ انخراطها في الكشافة وعمرها لا يتجاوز 8 سنوات، وتقول عن تجربتها:"ليس هناك كثير من الناس يميلون الى التطوع وفعل الخير بسبب طغيان المادة في عصرنا هذا، لكن بالنسبة إلي التطوع تكليف وليس تشريفاً، ومنذ صغري كنت أحلم بأن أكون ضابطاً في الجيش الوطني الشعبي لخدمة بلدي، ولأن الحلم لم يتحقق بسبب تحفظ العائلة عن الانخراط في الجيش، وعدم استيفائي الشروط الإدارية، لم يبق أمامي سوى الكشافة لأحقق رغبتي في خدمة الآخرين". واستحقت إكرام بكل جدارة"وسام استحقاق"قيادة الكشافة بعد أن قضت 3 أشهر كاملة داخل خيمة في العراء لمساعدة المنكوبين من ضحايا الزلزال، تزيح الركام وتقدم المساعدات الإنسانية، الأمر الذي لا تحظى به أي فتاة في المجتمع الجزائري، كما تقول هي:"نعم حقيقة أنه أمر صعب لفتاة أن تلقى موافقة أسرتها على المبيت طيلة أشهر داخل خيمة وسط الرجال، فهناك تحفظ تمليه العادات والتقاليد، ولكن من حسن حظي أن ثقة عائلتي بي كانت كبيرة". ويعتبر القائد العام للكشافة الجزائرية نور الدين بن ابراهيم أن إقبال الفتيات على التطوع أقل بكثير منه لدى أترابهن الذكور، بسبب التقاليد الاجتماعية. فكثيرون يتحفظون عن السماح لابنتهم بالمبيت خارج المنزل بعيداً من الأهل وأحياناً في خيم وسط الرجال. وفي زلزال بومرداس الذي شهد ذروة في العمل التطوعي لدى الجزائريين والشباب عموماً، يؤكد بن ابراهيم أنهم سجلوا انخراط 7 آلاف شاب متطوع في صفوف الكشافة الإسلامية وحدها، 70 في المئة منهم من المتطوعين، بسبب صعوبة الأجواء التي كان يعمل المتطوعون في ظلها. وإلى جانب الكشافة، تنشط جمعيات شبابية كثيرة في الأزمات، وحتى في مناسبات عيد الأضحى التي تشهد إقبال متطوعين لذبح الكباش وتوزيع المؤونة، عدا عن شهر رمضان الذي يشهد إقبالاً منقطع النظير في خدمة الغير. ويعد الهلال الأحمر الجزائري من أبرز منظمات الإغاثة الناشطة في مجال التطوع الإنساني. ويقول ياسين تزقغين 34 عاماً أحد أقدم المنخرطين في المنظمة:"في الهلال الأحمر تشعر بروح التضامن، وأهمية العمل داخل الجماعة، وتشعر بالفرحة لأنك إنسان مفيد في أعين الآخرين". ويضيف ياسين الذي يعمل حالياً متطوعاً في الصليب الأحمر الكندي في مونتريال قائلاً:"هناك الإرادة نفسها للتطوع بين الشباب الجزائريين والكنديين، مع فارق الاحترام الذي تحظى به في كندا، فالكل سواسية تحت سلطة النظام الداخلي الصارم للمنظمة، على خلاف الهلال الأحمر الجزائري الذي لم ينج من الصراعات، بسبب المصالح المادية والسياسية، وتمسك القيادات بمناصبها لغايات لا صلة لها بالعمل الإنساني بتاتاً، وهذه محنة الكثير من الشباب العربي مع منظمات التطوع والإغاثة الإنسانية التي لم تبتعد عن براثن الصراعات السياسة".