من غرائب لغة الخطاب الإعلامي، حين يتعامل مع منسوبي"القاعدة"، أن يصفهم ب"الجبناء"و"الجهّال"، وهذا تحيز ظالم ومضلّل في آن، فالجبان هو الذي يستسلم من أول طلقة. الحديث عن الجوانب المغيبة في شخصية عناصر التنظيم تدخل في شبهة"تمجيد الإرهاب"، ومثلما هي مدانة في بريطانيا كجريمة، بحسب قانون مكافحة الإرهاب المقر أخيراً، فهي كذلك في السعودية. لا أمجد"الإرهاب"، ولا أنحاز إلى مرتكبيه، ولا إلى أي طرف، طالما أني صحافي يبحث عن فرص الاقتراب من مسار الحياد، وهذا يصعب تفهمه لدى الطرف الأقوى. منذ وعينا على قائمة ال 19 مطلوباً في السعودية قبل ثلاثة أعوام ونيف، ونحن لا نسمع ولا نقرأ الأوصاف المنطقية بحق هؤلاء. هل فكّرنا يوماً في قراءة جيدة لصورة صالح الفريدي في مدينة الدمام شرق السعودية، التي شاهدها الكثير من السعوديين على شاشات التلفزيون و"البلوتوث"؟ الفريدي، أحد أفراد قائمة ال36 مطلوباً، الذي قتل في مواجهة أمام مركز تجاري في الدمام في 4 أيلول سبتمبر الماضي، وانتشر"فيديو"المواجهة، الذي أظهره منطلقاً صوب رجل الأمن مبادراً بمحاولة القتل. كان منظراً غريباً، لافتاً، وغير مألوف، وكل ما قلناه أن صالح أهوج وأن مبادرته تنم عن خلل في العقل. فهذه"الشجاعة"تكون أحياناً ضرباً من الجنون الذي تقبله الثقافة العربية تحديداً. بعض المتحدثين إعلامياً يعتقد أن تسخيف الآخر يعد انتصاراً في المعركة الإعلامية، والبعض يعتقد أن الحرب النفسية على"القاعدة"لا تتأتى إلا بهذا التسطيح والتسخيف، ويفوتهم أنه بات لدينا متلق يعي الصورة والمشهد أكثر من أي وقت مضى. وحتى حين نخاطب المتعاطفين معهم نمارس الخطاب ذاته، التسفيه والتحقير بحق من يؤيدون، ساعين إلى طمس الحقائق، ومتجاوزين الواقع الذي يقول إن لدى الوطن خسائره وأخطاءه أيضاً في هذه المعركة الطويلة، وإلا لما كانت هناك تفجيرات وضحايا من المدنيين والعسكريين، ونزيف لم يتوقف وجرح ما زال مفتوحاً. حين نقول إن لدى"القاعدة"عناصر تملك صفات الشجاعة والقوة والتفكير، فنحن لا ننحاز إليهم ولا نمجدهم، ولكننا نقرأ واقع الأحداث ويومياته في السعودية وفي غيرها. الواقع يقول إن أفراداً بسطاء تمكنوا من تشكيل تنظيم شرس، منتشر من قلب البلاد إلى أطرافها، ما زال قلبه ينبض على رغم كم الرصاص الذي أصاب جسده على مدى السنوات الثلاث. فهل نصرّ بعد ذلك على أنهم جهال؟ قد تكون جهالة في فهم الدين، ولكنها ليست كذلك في غيره. وحين ننتقل إلى العمل الميداني، ونشهد المواجهات الشرسة التي يعترف بها الإعلام ويقر بشراستها، ومن ثم نخرج بصيغة"الجبناء"، أين نضع"المنطق"في هذا السياق؟ إنه ك"المنطق"الذي بحث عنه سعيد صالح في مسرحية"مدرسة المشاغبين". فإما أن نقول إنهم يملكون شجاعة المواجهة، أو لا نلزم أنفسنا بصيغة"المواجهة الشرسة"كي لا نتحول إلى"سعيد صالح"في نسخة إعلامية جديدة. حقيقة لا أعلم من وجّه الإعلاميين إلى استخدام هذه الصفات في الحديث عن الملاحَقين من"القاعدة"، لأنني إعلامي مثلهم، وأعيش الحدث بأدق تفاصيله، بحسب ما أعتقد، ولا أذكر أنه طُلب مني وصفهم ب"الجبناء"و"الجهال"، وخير مثال لي في ذلك أني لا أستخدم صفة"الإرهابيين"حين الحديث عنهم، بل ألتزم بخط الحياد - إن صح التعبير - عبر مصطلح"المطلوبين"، ومثلها أنحاز إلى مصطلح"العنف"متجنباً"الإرهاب"، ومع ذلك لم يُطلب مني الالتزام بخطاب محدد لا أخرج عنه، فلماذا يتبرع بعض الزملاء الإعلاميين بكل تلك النعوت المجانية، خصوصا أن الشتيمة لا تصنع نصراً؟ * كاتب وإعلامي سعودي.