على رغم دخول القهوة بكل انواعها السوق العراقية، منذ زمن ليس بالقريب، الا انها لم تحتل المكانة التي تحتلها في مجتمعات عربية اخرى، إذ لا يزال الإقبال عليها، حتى بين الشرائح الارستقراطية محدوداً قياساً الى الشاي. واذا كان الرجال والنساء والرجال يحتسون القهوة من حين الى آخر، يبقى الشباب شبه عازف، ان لم يكن عازفاً كلياً عن القهوة، عدا بعض الجلسات النسائية حيث تعمد الصبايا الى قلب الفنجان و"قراءة الطالع". فالشاي هو مشروب العراقيين المفضل والذي لا يمكن الاستغناء عنه او الاستعاضة عنه. ويشترك في ذلك الكبار والصغار ويشربونه في كل الأوقات لاسيما في الأيام الباردة. ولم تستطع القهوة بأنواعها او المشروبات الغازية والعصائر ازاحته عن المائدة، وفي الوقت الذي يتناول الكثير من بلدان العالم وبعض الدول العربية"قهوة الصباح"، يشرب العراقيون الشاي الأسود الذي اصبح يعرف في بعض البلدان بالشاي العراقي مع وجبة الفطور وقد يضاف اليه الحليب في حال تقديمه الى الصغار. وكانت القهوة العربية المشروب الأول والوحيد لعصور خلت اذ ورثها العرب ومنهم العراقيون عن التجمعات البدوية الصحراوية- إلا أن شربها انحسر أمام الشاي منذ عام 1870، عندما شربه للمرة الأولى في العراق الوالي العثماني مدحت باشا بعدما اهداه اياه ناصر الدين شاه ايران لدى زيارته العتبات المقدسة. وانتشر شرب الشاي بشكل واضح عند دخول الإنكليز العراق في اعقاب الحرب العالمية الاولى لتختفي القهوة شيئاً فشيئاً من المدن وتبقى بحضورها الخاص في"المضايف العربية". ويقول أحمد:"أتناول الشاي خمس او ست مرات في اليوم الواحد، اما القهوة فلا اكاد اشربها الا في مجالس العزاء". ويستقبل العراقيون المعزين في مجالس العزاء فيقدمون لهم قهوة سوداء خفيفة ومرة للدلالة على الحزن. ويضيف أحمد:"اتناول الشاي صباحاً ثم اذهب الى العمل لأشرب استكاناً ثانياً، وبعد الغداء ياتي الثالث وعصراً اتناول واحداً او اثنين مع الحلويات يليه الاستكان الأخير بعد وجبة العشاء". والاستكان القدح الصغير لفظ غير عربي ويقال انه جاء تحويراً لكلمة استراخان وهي منطقة في روسيا اشتهرت بصناعة الكؤوس الزجاجية الصغيرة التي يعلب داخلها السكر المربع. وعندما استورده العراقيون بداية القرن العشرين وجدوا ان الاقداح ملائمة لشرب الشاي فقاموا بتصنيعها محلياً. ولا يمكن الا ان تكون اقداح الشاي حاضرة في الولائم واسعة كانت ام مختصرة، فضلاً عما تقدمه المقاهي لروادها، وأصبح من الظواهر الشائعة باعة الشاي الجوالون في الاماكن المزدحمة كالأسواق والمنتزهات. اما الشاي الاخضر بالنعناع أو بنكهات أخرى، فغير مرغوب به في العراق. ولكثرة تزايد الاهتمام به ارتبطت بمشروب الشاي تقاليد توارثتها الاجيال"فعند تقديمه في الاستكان لا يضع العراقيون الملعقة داخله بل الى جنب معتقدين ان وضع الملعقة الخاشوكة داخل القدح يثير الصراعات العشائرية، وعند ظهور فقاعات مع تحريك السكر يعني ان رزقاً قادماً الى شاربه لا محالة واذا صدف وجود ملعقتين في القدح الواحد فان صاحبه سيتزوج مرتين واذا ما طفت احدى عيدان الشاي الى سطح القدح فان ضيفاً سيحل على المنزل. وأبقى العراقيون لشدة حبهم لهذا المشروب وتفضيله على القهوة اللفظ الاجنبي له وللادوات المستخدمة في اعداده. كاستكان وكتلي لفظة انكليزية للاواني التي يغلي فيها الماء و"القوري"لفضة صينية لتصغير الشاي والجاي وليس الشاي كمعظم الدول العربية للابقاء على لفظة الصيني بالجيم وليس بالشين والسماور لصنع الشاي ايضاً وهو لفظ روسي والقند فارسية وتعني السكر والخاشوكة تركية وتعني ملعقة. وعلى رغم دخول القهوة بأنواعها العربية والفرنسية والانكليزية والاميركية كالنسكافيه والكاباتشينو والاسبرسو فان"الجاي"لم يتزحزح عن مكانته قيد أنملة. ويقول محمد مجيد:"أشرب القهوة الاميركية السريعة التحضير باضافة السكر او الكريما احياناً لكن الشاي هو المفضل عندي". أما المضايف العشائرية فلا تزال محتفظة بالقهوة كجزء من متطلبات الضيافة العربية.