استنساخ"دوللي"رافق الجينوم وأثار أمالاً علمية وجدّد السؤال عن علاقة العلم بالانسان ومجتمعاته قبل عشر سنوات، اهتزّ العالم بأثر من حدث علمي هائل: استنساخ النعجة"دوللي"، وهي أول كائن من الثدييات المتطورة Mamals التي تنتمي اليها مجموعة من الانسال ومنها الانسان، على يد العالم الاسكتلندي أيان ويلموث من مختبرات مؤسسة"روزالين"للأدوية. وحينها، تَمهّل ويلموث بضعة أشهر قبل الإعلان عن ذلك الاختراق العلمي. وأثارت"دوللي"هلعاً عن احتمال استنساخ البشر، وحفزت أمالاً عراضاً عن العلاج الجيني واستعمال خلايا المنشأ الوثيقة الصلة بالاستنساخ، لشفاء أمراض مستعصية وحتى لدرء أثار الشيخوخة عن الانسان. والأرجح ان كثيراً من تلك الأمال أُخفقت، خصوصاً العلاج الجيني، فيما تنتظر مشاريع خلايا المنشأ نتائج النقاش السياسي والأخلاقي فيها. أُنظر اطار: عشر سنوات منذ دوللي. وفي نظرة استرجاعية، يبدو ان أكثر الأخبار اتصالاً بذلك الحدث، تتمثّل راهناً في فضائح تجارب خلايا المنشأ في كوريا الجنوبية، ومحاكمة"أبو العلاج الجيني"في أميركا بتهمة اعتداء جنسي على قاصر، وفرض الرئيس جورج بوش فيتو ضد قرار للكونغرس بالسماح بتجارب خلايا المنشأ التي تتضمن استنساخاً باستعمال خلايا بشرية. وبين أضلاع تلك الأحداث، يتخايل للأعين الوجه الغائب منذ ثلاثين عاماً للفيلسوف الألماني مارتن هايدغر الذي انتقد الميل للتعامل مع التقنية وكأنها شيء من خارج الكائن الإنساني، وشكّك في قدرة النظام الديموقراطي على التعامل بصورة مُجدية إنسانياً مع التقدم التكنولوجي. "دوللي"وخلايا المنشأ أخذ ويلموث خلية بالغة من جلد نعجة اسكتلندية، ثم عزل نواتها. ثم جاء ببويضة من نعجة ثانية، وفرّغها من نواتها. وأخيراً، نقل نواة خلية الجلد الى داخل تلك البويضة المُفرغة، وكأنه يُلقّحها، وضربها بتيار كهربائي خفيف. وسرعان ما نمت تلك البويضة لتصبح جنيناً نما ليصير ..."دوللي". قيل كثيراً ان تلك العملية تُثبت أهمية الأنثى في عملية التكاثر، لأن خلايا الذكر، أي حيواناته المنوية، لم تدخل في تلك العملية. وقيل ان استيلاد كائن لبون بالاستنساخ غير الجنسي، يتعارض مع التطور التاريخي المكين لتلك الكائنات التي تتكاثر تاريخياً عبر التناسل الجنسي بلقاء الذكر مع الأُنثى! وقيل ان الأمر يخرج عن قوانين التطور والتناسل في الطبيعة، ما يُهدد بزلزلة علاقات أساسية في الكائنات الحيّة. قيل أيضاً ان الاستنساخ يزلزل العلاقات بين الأجيال ومفهوم العائلة والاجتماع الانساني وغيرهما. وسارت النقاشات في اتجاهات يصعب حصرها. أما أشد ما أثار الهلع فتمثّل في احتمال استنساخ البشر، وتركزت معظم النقاشات في تلك النقطة. لقد أثار الحدث الاستنساخي أمالاً عراضاً عن قدرة العلم البيولوجي، بدءاً من قدرته على شفاء الأمراض المستعصية مثل السرطان والشلل الرعاش"باركنسون"والتصلب اللويحي المتعدد في الدماغ والسكري والشيزوفرينيا وغيرها ومروراً بالتخلص من الأمراض الجينية والوراثية ووصولاً الى التحكّم بصفات المواليد مثل لون الجلد والذكاء وصفات الجسد وغيرها. تبدد كثير من تلك الأمال تحت وطأة وقائع مثل صعوبة الاستنساخ وتجريبيته وعدم التوصل الى فهم دقيق لعمل الجينات وعلاقاتها المُتداخلة وغيرها. وساهم النقاش، وخصوصاً الذي رفع نبرة المخاوف، بما فيها المخاوف من عودة أفكار الانتقاء العرقي والتفوّق البيولوجي، في مدّ ظلال ثقيلة على تلك الأمال. ولعل بعضها كان مُحقاً في رفعه مصلحة الانسان، والمناداة بأن يخدم العلم البشر وليس ان يحوّلهم الى ساحة مفتوحة لرهاناته وتجاربه، خصوصاً بعد ان بات معظمها في يد الشركات العملاقة. والارجح ان العلاج الجيني Gene Therapy يُعدّ من أقوى الأمال العلمية التي أثارها الاستنساخ. وقد ترافق الاستنساخ، الذي تكرّر على يد غير عالم في غير بلد وشمل مجموعة من الكائنات الحيوانية والنباتية، مع إنجازات قوية في علوم الجينات، وخصوصاً ان الإعلان عن التعرف الى خريطة التركيب الوراثي الكامل للإنسان، لم يتأخر عن الحدث الاستنساخي. وبعدها، سار علم الجينوم بالتوازي مع الاستنساخ، بمعنى التعرف إلى الخريطة الجينية للمزيد من الكائنات. وكما في الاستنساخ أيضاً، أدى التقدم العلمي الى كشف حدود جديدة لمدى ما يجهله الانسان أيضاً. وانتقلت علوم الجينات الى مستوى أكثر علواً وتعقيداً، فبعد التعرف الى تركيب الجينات، باتت ضرورية معرفة طريقة عملها. كيف تتفاعل تلك المجموعة المؤلفة من 33 ألف جين لتكوّن أعضاء الانسان وتعطيه صفاته؟ وكيف تتفاعل مع البيئة والتطور؟ وكيف يمكن معرفة أي صفات ترجح فيها يد البيئة وأيها ترجح فيه يد الوراثة؟ في ظلال السياسة: خلايا المنشأ ثمة ما اندلع من التفاعل بين الاستنساخ والجينوم، وبات معضلة راهناً في العلم والسياسة والاخلاق والفلسفة معاً. فقد توصل العلماء الى طرق للحصول على خلايا المنشأ Stem Cells. وللتذكير، فان تلك الخلايا تظهر طبيعياً في الأيام الأولى من عمر الجنين. وتمثل تلك الخلايا التي تتطوّر لاحقاً لكي تصنع أنسجة الجسم وأعضاءه كلها. واستطاعت ثلة من العلماء ان تتعرف الى وسائل لپ"توجيه"تلك الخلايا، بمعنى دفع تلك الخلية لتصنع عضلة القلب والأُخرى لتصنع شبكية العين وثالثة لتكوّن نخاع العظم وهكذا. وبدا وكأن باباً سحرياً انفتح فجأة أمام العلم، إذ يمكن استبدال التالف من الأعضاء والأنسجة انطلاقاً من خلايا المنشأ. وللحصول على أجنة في أعمار مبكّرة، لا تزيد على أسبوع، لجأ بعض العلماء الى استنساخ خلايا بشرية بأسلوب نقل النواة وزرعها في بويضة أنثوية مُفرغة، كما كانت الحال بالنسبة الى دوللي. عُرف ذلك باسم الاستنساخ العلاجي Therapeutic Cloning. ويسميه البعض أيضاً الاستنساخ العلاجي الفردي، لأن الخلايا تؤخذ من المُصاب نفسه. وبالطبع، فان تلك العملية تقتضي توافر بويضات أنثوية لتزرع فيها أنوية الخلايا. وارتسم أفق بائس للاتجار بمبايض الإناث وبويضاتهن. وفي كوريا، ترأس البروفسور وو سوك هوانغ فريقاً نجح في استنساخ كلب، ثم سار في خلايا المنشأ البشرية. وتبيّن لاحقاً ان هوانغ أرغم بعض العاملات معه على إعطاء بويضاتهن، وأجبرهن على الكذب بقولهن انهن تبرعن بتلك البويضات بمحض إرادتهن! وبذا، تبيّن ان الحقوق الاساسية للكائن البشري باتت في مهب الريح، خصوصاً ان الفريق الكوري كان يسعى أيضاً خلف الأموال الهائلة من شركات الأدوية والمنتجات البيولوجية. وقريب من تلك الظلال السلبية، انفجار فضيحة في اميركا قوامها إدانة عالم الجينات فرنش اندرسون بالتحرش بفتاة قاصر! وبدا أن العلم انحرف من طريق سيطرة الانسان على عالمه، على رغم نقد الكثيرين مثل هايدغر لهذا الاتجاه باعتباره نفعياً وقصير النظر، ليصل الى حدّ طغيان العلم على الانسان وكينونته وحقوقه. وبدا واضحاً ان النقاش في التقدم العلمي، مثل الاستنساخ وأبحاث المنشأ، أقل من الإملاءات الهائلة التي يحملها ذلك التقدم. وفي المقلب الآخر من النقاش عينه، تحدث البعض عن ظهور"كائن جديد"بأثر تقنيات مثل الاستنساخ، خصوصاً مع الفارق الكبير بين من يولد بالطرق الطبيعية والمستنسخ. ولما وصلت أبحاث خلايا المنشأ الى عبور الحواجز التي يضعها النظام الديموقراطي نموذج أميركا ككوابح أمام الجموح العلمي، لم يبق سوى الفيتو الرئاسي، ففرضه الرئيس بوش على تلك الأبحاث. ربما تؤجل تلك الخطوة الأمر موقتاً، لكن من البيّن انها لا تصلح حداً لا للعلم ولا لتفلتاته والا للنقاش عنه. وإذ يعتبر كثيرون الفيتو الذي تمارسه السلطة التنفيذية ورأسها أميركيا بوش على السلطة التشريعية ممثلة في الكونغرس من مظاهر الاختلال في التوازن بين السلطات، وفي أحسن الأحوال مظهراً لوجود أزمة في العلاقة بين السلطات الديموقراطية، وبالتالي أزمة في الديموقراطية نفسها. أما هايدغر، فقد قال منذ مطلع القرن العشرين، ان العلم لم يعد يُعامل باعتباره شأناً فلسفياً، وان النقاش النفعي عنه قاصر. ودعا الى تجديد النقاش الفلسفي في العلم، مُعتبراً ان النظام الديموقراطي لا يملك القوة اللازمة لاسترداد التقنية ووضعها في صلب التفكير بالكائن الانساني ! [email protected] كرونولوجيا علمية تموز يوليو 1996 : استنساخ النعجة دوللي - أول حيوان لبون يولد من دون أبوين بيولوجيين، وبالتكاثر اللاجنسي A sexual Reproduction. استولدت دوللي من خلية بالغة من جلد أمها عبر طريقة"نقل النواة"Nuclear Transfer. شباط فبراير 1997 : البروفسور الاسكتلندي أيان ويلموث يكشف استنساخ دوللي، ما أحدث زلزالاً عالمياً هائلاً. كانون الأول ديسمبر 1997 : منظمة الصحة العالمية تطالب بحظر استنساخ البشر. كانون الأول 1998 : استنساخ فأر بطريقة نقل النواة. نيسان أبريل 1999 : ولادة عنزة استنساخاً. آذار مارس 2000 : استيلاد مواش أُخرى بأسلوب نقل النواة. وأُعلن أيضاً عن التوصّل الى فك شفرة التركيب الوراثي لذبابة الفاكهة. حزيران يونيو 2000 : من البيت الأبيض، أعلن البروفسور فرانسيس كولينز، رئيس فريق"مشروع الجينوم البشري"، والاختصاصي كريغ باريت، مدير شركة"فينتر"للمعلوماتية البيولوجية، التوصل الى رسم الخريطة الوراثية الجينية الكاملة للإنسان، أو ما يُعرف باسم الجينوم البشريHuman Genome. لاحقاً، وُضعت تلك الخريطة على الانترنت بحيث تُكشف معلوماتها للبحّاثة في العالم. كانون الثاني يناير 2001 : اختصاصيا الإنجاب والخصوبة، اليوناني يانوس زافوس والإيطالي سفيرينو انتينوري، أذاعا خطتهما لاستنساخ بشر في مستقبل قريب. وفي الشهر عينه، أُصيبت دوللي بمرض التهاب المفاصل. أيلول سبتمبر 2001 : اقترحت فرنسا وألمانيا على الأممالمتحدة فرض حظر عالمي على تجارب التكاثر الاستنساخي باستخدام خلايا بشرية. تشرين الثاني نوفمبر 2001 : أعلنت شركة"أدفانسد سيل تكنولوجيز"الأميركية انها استنسخت جنيناً بشرياً وصل الى مرحلة 6 خلايا قبل ان تتلفه! كانون الأول 2001 : استنساخ قطة. أيار مايو 2002 : الإعلان عن التوصل الى الخريطة الوراثية الكاملة الجينوم للفأر. كانون الأول 2002 : طائفة الرائيلين تُعلن انها استنسخت بشراً بنتاً بالتحديد، ولا تُقدم دليلاً على مزاعمها. شباط 2003 : وفاة دوللي. أيار 2003 : استنساخ حصان وبغل وغزال. تموز 2003 : التوصل الى رسم الجينوم الكامل لسوسة القمح والشعير. تشرين الثاني 2003 : حظر"مكتب الغذاء والدواء الأميركي"استعمال حليب الحيوانات المستنسخة، على رغم عدم ظهور أدلة على ضررها. شباط 2004 : العالم الكوري الجنوبي وو سوك هوانغ يعلن الحصول على خلايا منشأ Stem Cells بشرية عبر عمليات استنساخ استخدمت فيها خلايا إنسانية. تشرين الثاني 2004 : مسودة لاتفاقية دولية لحظر استنساخ البشر. كانون الأول 2004 : بيع أول قطة مستنسخة في مزاد علني! نيسان 2005 : استنساخ كلب في كوريا الجنوبية على يد العالم هوانغ. أيار 2005 : هوانغ يدّعي انتاج خطوط خلايا منشأ بشرية صُنعت عبر استنساخ أجنة بشرية. آب أغسطس 2005 : التوصل الى رسم الجينوم الكامل للرز. تشرين الثاني 2005 : انفجار فضيحة علمية على صلة بالاستنساخ، إذ شاع ان البروفسور هوانغ لجأ الى طُرق غير أخلاقية للحصول على البويضات التي استخدمها لاستيلاد خلايا المنشأ! كانون الأول 2005 : رسم خريطة الجينوم عند الكلب. كانون الثاني 2006 : مجلة"ساينس"، التي تصدرها"الجمعية الأميركية لتقدم العلوم"، تسحب دراستين علميتين للبروفسور الكوري هوانغ. أيار 2006 : إدانة هوانغ وأعضاء من فريقه بالفساد وبخرق أخلاقيات البيولوجيا BioEthics. حزيران 2006 : بدء محاكمة هوانغ مع احتمال سجنه لخمس سنوات. تموز 2006 : للمرة الأولى منذ تسنمه سُدّة الرئاسة قبل 5 سنوات، فرض الرئيس جورج بوش فيتو رئاسياً لإلغاء قرار للكونغرس يسمح بتجارب خلايا المنشأ بما فيها تلك التي تستخدم خلايا بشرية.