قد لا يكون في مقدور الادارة بواشنطن استيعاب أكثر من درس واحد. ففي 2003، عقدت إدارة بوش العزم على إعادة إعمار العراق على مثال خطط بناء اليابان وألمانيا غداة الحرب العالمية الثانية. ووصفها معارضوها بأنها أشبه بخطط فيتنام. ويفضل باحثون تشبيهها بتجربة يوغوسلافيا بعد الحرب الباردة. أرادت ادارة بوش الاحتذاء على اعمار المانياواليابان في العراق. ولكنها أغفلت أن البلدين يختلفان عن حال العراق كثيراً. ففي 1945، عندما احتلت الولاياتالمتحدةاليابانوالمانيا، كانت البنية الأهلية فيهما متجانسة، واقتصاداهما متينين، وهما استسلما بعد معارك شرسة. وفي المقابل، لا يتوافر أحد من هذه الشروط في العراق أو يوغوسلافيا. والحق أن إدارة بوش لو دققت الحساب، واحتذت على مثال البوسنة وكوسوفو، لأدركت أن ارساء الاستقرار وإعادة الاعمار يتطلبان وقتاً أطول، ومالاً أوفر، وطاقات بشرية أوفر. ولكانت استبقت الفراغ الأمني، فباشرت من غير ابطاء نزع سلاح الميليشيات. ولكانت بادرت بسرعة غداة الغزو، في آن كانت المعنويات الأميركية عالية ومقاومة قواتها تحبو، وكان العالم ينتظر العثور على أسلحة الدمار الشامل ولم يجزم بعد بانتفائها. ولكن لم تفعل شيئاً من هذا. فحملت الادارة الأميركية العراق على غنيمة غنمتها، وليس على عبء تنوء به. فمنعت الشركات الفرنسية والالمانية والروسية من الاستثمار في البنى التحتية والانشاءات. وفكرة"معركة كسب العقول والقلوب"عبث. فالعراقيون لا يقاتلون في سبيل دولة قوية، وما يرغبون فيه هو دويلات تتسلط عليها الجماعات. ولعل الاكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب، هي الجماعتان اللتان تتهددان وحدة العراق على المدى البعيد. والبديل من كبح الاميركيين جماح المقاومة السنية، عليهم انشاء مناطق أمنية في بغداد والجنوب. وقد يكون نشر القوات الأميركية في بعض المواضع فكرة صائبة. ولا يبدو أن الادارة الأميركية تسير على هذا النهج، اليوم. فليس في تصرفها قوات كافية لتفرض سلاماً على النسق البلقاني، او لحفظ أمن على النسق الفيتنامي. والى هذا، فالدعم الاقتصادي الأميركي للعراق تتقلص. والارجح أن الدور العسكري على وشك التقليص، العام الآتي. وتوحيد بلد متعدد الاقوام مهمة لم تعتدها الجيوش الاميركية بعد. وسبق ان مهمة مثل هذه، في البوسنة، أواسط التسعينات، وفي افغانستان في 2001 باشرتها قوات أميركية وأوروبية. وجديد العراق العسير، انها المرة الأولى التي تضطلع فيها الولاياتالمتحدة بجمع أجزاء مجتمع من غير دعم الدول المجاورة. وعلى عكس افغانستان، حيث لم تنوِ واشنطن جعل البلد نموذجاً للديموقراطية في آسيا الوسطى، حظيت بمساندة باكستان وايران وروسيا وطاجيكستان واوزبكستان. وهي اجتاحت العراق محملة برؤيا شاملة الى الشرق الأوسط. فوعدت أن تنصب العراق مثالاً على الديموقراطية وأساليب الحكم الحديث في المنطقة برمتها، على نقيض الانظمة القائمة. الى اليوم، ما لم تغير واشنطن"خريطة طريقها"وسيرها في العراق وخططها للدول المجاورة، فلن تحظى بدعم حكومة عربية واحدة. وهذا أمر لا بد منه في سبيل بسط السلام وجمع البلاد. عن جايمس دابن، "فورين افيرز" ، تموز يوليو - آب اغسطس، 2006