تتطاول نتائج إخفاق الرئيس الأميركي الثالث والأربعين في انتخابات السابع من تشرين الثاني نوفمبر، قبل سنتين من ختام ولايته، الى أنحاء الكوكب كلها. ففي أعقاب خمسة أعوام على حملة أفغانستان، تبعث الوقائع الميدانية القلق. وبين مطرقة أسياد الحرب وسندان طالبان العائدة، تبدو سلطة الرئيس كارزاي رمزية. ولا تغني مساندة الولاياتالمتحدة، ولا مرابطة قوات"الناتو"شمال الأطلسي، الأفغان وبلدهم ورئيسهم شيئاً. وتقهقرت حال أفغانستان غداة تنازل الرئيس الباكستاني، الجنرال مشرف، لقبائل غرب باكستان عن بعض الامتيازات. والحق ان افغانستان لم تنتج، في تاريخها، المقدار الكبير من المخدرات الذي تنتجه اليوم. إعمار العراق مستحيل من غير استتباب السلم الأهلي فيه. وتبدو شروط السلم بعيدة. فالجماعات الطائفية والقومية تقتتل. وتتعاظم خسائر قوات الاحتلال. وعلامات حيرة الأميركيين وتخبطهم بادية للعيان. ويتهدد التشرذم والانفجار البلد المحتل. وتمادي الحال على هذا يقلص قدرة واشنطن على التدخل في مواضع اخرى من العالم، ويوهن صدقيتها القوة العظمى. وكانت السياسة الأميركية تركت الشرق الأوسط الى تناحره. وتعمد جورج دبليو بوش المراقبة من بعيد، أو هو لم يجرؤ على التورط. وحال أسر الإيديولودية دون إدراكه ان الصلح بين العالمين اليهودي - المسيحي والإسلامي شرطه الأول حل المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية حلاً راسخاً وثابتاً. وأدت تخليته بين الدولة العبرية وبين خوض حرب على لبنان طالت 34 يوماً، الى إضعاف موقع واشنطن. وذلك جراء قصور إسرائيل عن الانتصار في الحرب. وتحمل إسرائيل القصور هذا، وهو حمل نفسي، على هزيمة. وهذا السياق يدعو إيرانوكوريا الشمالية الى تحدي أميركا. ولعل الأرجح في شأن اختيار طهران امتلاك السلاح النووي هو رغبتها في بلوغ العتبة النووية، أي تطوير التكنولوجيا التي تتيح لها بلوغ هذه الغاية إذا حان الوقت. وهذه حال اليابان. وفي الاثناء، يرى نظام الملالي ان الإطار الدولي مؤات له. فروسياوالصين متواطئتان معه، على هذا القدر أو ذاك. وعلى هذا، يسعه البرهان على ان استقرار الشرق الأوسط عموماً، وفي العراقولبنان خصوصاً رهن تعاونه. والتيار الأميركي الداعي الى مفاوضة ايران مباشرة ومن غير قيد على موضوعات المفاوضة، لا ينفك نفوذه يتعاظم. وآية ذلك اقتراح جايمس بيكر ولجنته حواراً اميركياً - ايرانياً مباشراً يناقش مسألة العراق. وفي شأن كوريا الشمالية، يبدو ان إجماع الدول الخمس المشاركة في المفاوضات السداسية يتقهقر. فالصين تريد المحافظة على الدولة الحاجزة هذه، خوف كوريا واحدة، تحالف الولاياتالمتحدة، وخوف يابان نووية. وتخشى كوريا الجنوبية، ومعها اليابان، الاضطرابات المترتبة حتماً على انهيار نظام كيم جونغ - إيل الشمالي. وتخشى روسيا، من جهتها، تعرض شرقها الأقصى الى توسع جيرانها السكاني والاقتصادي. وقد يخرج توازن شرق آسيا من يد الولاياتالمتحدة، وهي مفتاح بنيانه الأمني، إذا عصفت الاضطرابات في بلدانه وعلاقاتها بعضها ببعضها الآخر. وإلى 9 تشرين الأول اكتوبر، حين أجرى الديكتاتور الكوري الشمالي اختباره النووي، كان هو المستفيد الأول من استقرار الحال. ولعله، هذه المرة، تجاوز الحد الذي ترتضيه الصين، وتعمد إهانة جارته الكبيرة. وفي مستطاع بكين الحكم في آخر نظام ستاليني بالزوال، في غضون ساعات. وهذا لا يدعوها إلا الى قطع إمداده بالنفط والغاز. فإذا تضافر الإجراء الصيني مع عقوبات اليابان المنفردة، وعقوبات كوريا الجنوبية جراء إلحاح أميركي، ادى اجتماع الإجراءات الى تقليص امتيازات اهل النظام وأعيانه، وإضعاف ولائهم. فلا يمتنع على الصين إعداد انقلاب على رأس النظام. وقد تكون عودة النظام الى المفاوضات قرينة على إرهاص بالأمر. والمسألة الحاسمة هي اليابان، فهي البلد الذي يتهدده المسعى النووي الشمالي في المرتبة الأولى. والجيل الياباني المولود بعد الحرب لا يقيده تحفظ الجيل الذي سبقه عن السلاح الذري. واليابان على وشك إنشاء وزارة دفاع فعلية، هي الأولى منذ الحرب. وقد لا يتأخر تعديل الدستور الذي تنص إحدى مواده على حظر السلاح النووي على اليابان. وتنجم عن هذا تغيرات كبيرة وعميقة. وعليه، على الولاياتالمتحدة، في سبيل دوام سيطرتها على الأحوال الطارئة، استعادة هامش مناورة من طريق تناولها سياستها الشرق أوسطية على وجه جديد، ومفاوضة خصومها، وانخراطها في معالجة الملف الإسرائيلي - الفلسطيني، ولا يحول تعثر الاتحاد الأوروبي بينه وبين الاضطلاع بدور مؤثر في بعض الميادين هذه، وأولها سيرورة اندماج شرق آسيا الاقتصادي. عن تييري دومونبريال رئيس مركز دراسات استراتيجية، "لوموند" الفرنسية، 17/11/2006