رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت مستاء من وسائل الاعلام العالمية لانحيازها الى لبنان ونشرها مشاهد من الخراب الهائل الذي احدثته طائرات اسرائيل وبوارجها في المدن والقرى اللبنانية. يريد ايهود أولمرت أن يهدم لبنان بعيداً من عدسات المصورين والكاميرات التلفزيونية فلا يشاهد أحد فصول المأساة الكبيرة ولا ما تحدث الآلة الاسرائيلية العمياء من فتك وتخريب وقتل وإبادة. ولم يكن إقدام الجيش الاسرائيلي على قصف بعض مواقع البث لقنوات تلفزيونية عدّة منها المؤسسة اللبنانية للارسال أل.بي.سي إلا من قبيل القضاء على"الصورة"القادرة على فضح عدوانية الجيش الاسرائيلي. وهذا ما يدل بوضوح على خوف اسرائيل صاحبة الترسانة العسكرية الضخمة، من هذه"الصورة"التي تبثها وسائل الاعلام عالمياً، وعلى خشيتها من الأثر العميق الذي تتركه في وجدان المشاهدين أياً تكن هويتهم. قصفت اسرائيل مراكز البث وفي ظنها أنها تلقّن الإعلام المرئي في لبنان"أمثولة"، مذكرة إياه بأنها الأقوى والافعل... ولكن فاتها طبعاً أن الإعلام المرئي لم يعد وقفاً على بلدٍ ما أو جهة ما في زمن"العولمة"الذي التحقت به هي بدورها. وفاتها أيضاً أن من المستحيل اليوم"إخراس"الإعلام، مرئياً ومسموعاً بعدما انتشرت"التجارة"الاعلامية عالمياً، وباتت المادة البصرية المثيرة تجذب كل الوسائل المرئية لكونها مادة"مربحة"ورائجة. ومن الواضح أن إقبال القنوات العالمية، الكبيرة والصغيرة، على تصوير المأساة اللبنانية، لا يهدف الى تأليب الرأي العام العالمي ضد اسرائيل والى إحداث تعاطف مع الشعب اللبناني. فهذه القنوات التي تنقل صور المجازر ومشاهد الخراب لا يهمها إلا جذب المشاهدين في العالم الذين لا يهمهم أن تكون اسرائيل هي الجزار وأن يكون اللبنانيون هم الضحية. فالمشاهدون في العالم تأسرهم تلك الصور والمشاهد من غير أن يتوقفوا عند مضمونها. إنها في نظرهم - ونظر المؤسسات الاعلامية - أشبه بالأفلام الحية التي يتساوى فيها"الأبطال"والضحايا في كونهم حقيقيين لا مزيّفين. لكن هذا الوصف لا ينطبق على الوسائل الاعلامية العربية، الأرضية والفضائية، التي تسعى من خلال تصويرها المجازر والخراب الى فضح الآلة الاسرائيلية المدمرة والروح العدائية التي لا توفر الاطفال والناس الأبرياء والعزّل والبيوت والأحياء الشعبية والحقول والحدائق. واستطاع الاعلام العربي المرئي أن يكون سلاحاً ماضياً ضد اسرائيل وسياستها البربرية. سلاح عماده الصورة الحية، الصورة الحادة والحقيقية التي تخشاها اسرائيل أكثر مما تخشى الصواريخ والقذائف. إنها الصورة حقاً التي يستحيل القضاء عليها، الصورة التي تكمن قوتها في نقلها الواقع كما هو، مأسوياً وقاتماً. الصورة التي تفضح العنف وتعرّي الجلاد وتترك أثرها للفور في عيون المشاهدين. أما رئيس الوزراء الاسرائيلي فسيظل مستاء وغاضباً لأنه لن يتمكن من القضاء على"الصورة"مهما قصف وبطش وتجبّر.