أعرف كيف تعاش هذه الأيام في لبنان لأنني عشتها في صيف عام 1982 لثلاثة أشهر طوال. المشهد يكاد يكون واحداً عدا ان الحصار، اليوم، يطاول لبنان كله وليس بيروت، وان الطائرات لا تفرق بين بيروتالشرقيةوبيروت الغربية وبين الجبل والبقاع والشمال والوسط. ما عدا ذلك، والاستثناء ينطوي على دلالة رمزية مهمة، فإن المشهد يكاد يكون واحداً: الطائرات التي تغير بحمولتها من الموت المحقق، البوارج التي تعوي كضباع نذلة في البحر، والبيوت التي تنهار على ساكنيها، والرجاء الذي لا تدنيه التضرعات ولا الصلوات. وخارج هذا البلد العربي المبتلى بحروب الأصل والإنابة والتحكم عن بعد يسمع صوت المقبرة العربية موحشاً كما لم يكن موحشاً من قبل. كان لا شيء يتغير في هذه المقبرة الصحراوية الشاسعة، حيث لا يمر التاريخ، ولا يحتفظ الرمل بذكرى علقت بالصدفة في شجيرة غضا، فالرمل لا يحفظ ذكرى ولا آثار عبور. حتى أمهر قصاصي الأثر يضلون في هذا المجاز من الوحشة الخام. وفيما لبنان يدمر على خريطة مقسمة الى مربعات صغيرة موضوعة أمام جنرالات أسباط إسرائيل المدججين بالحديد، هناك في القبائل العربية المبعثرة من يتساءل عن الأسباب والعلل لپ"الوعد الصادق"، وعن الإقليمي والدولي وعن المتضرر والمستفيد. ثمة صدى جدل بيزنطي شاحب ومحير يتردد في المضارب العربية الالكترونية والفضائية عن الذرائع والحجج، ولبنان كله يئن تحت سماء من البارود والدخان. هذه هي الذبذبات الوحيدة الملتقطة في أثير موبوء، ما عدا هناك من صمت وانصراف الى عيش ذليل. ليست الأسباب والعلل مهمة اليوم بقدر ما هو مهم تدمير منزل على رؤوس ساكنيه، وبقدر ما هو مهم ان يكون هناك كيس دم وضمادات وطريق آمن الى مستشفى آمن. هذا هو المهم. شاعر أردني