حضرت الفضائيتان العربيتان،"العربية"و"الجزيرة"، من اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على لبنان، كجزء أساسي من المشهد ومصدر معلوماتي، بالصوت والصورة. فالمحطتان العربيتان على خلاف التلفزيونات اللبنانية، الفضائية والمحلية، لديهما مراسلون على الضفة الإسرائيلية حيث تدور بعض الفصول. لكن ليس هذا وحده مصدر"قوتهما"، فقناة"الحرة"مثلاً لديها فريق من المراسلين هناك، إلا أن نشاطها اللبناني محدود، ما يعني أن قوة"العربية"و"الجزيرة"تأتي من وجودهما على الضفتين. ولعل هذا ما أزعج الإسرائيليين الذين من مصلحتهم أن يروا ويرى اللبنانيون والعالم ما يحدث في لبنان وحسب، وأن يحجبوا ما يحدث عندهم. لا شك في أن الصور"الإسرائيلية"والتقارير التي بثتها القناتان العربيتان في أيام الحرب تكشف الداخل الإسرائيلي وتجعله في بث مباشر يعتقد أنه يخدم"حزب الله"عسكرياً ومعنوياً، على الأقل باعتبار أن القناتين تتوجهان إلى الجمهور العربي. وهذا ما دفع الاستخبارات الإسرائيلية إلى محاصرة نشاط مراسلي المحطتين وتوقيف مراسلي"الجزيرة"وليد العمري والياس كرام، وإصدار تعليمات تقيّد عمل الإعلام كمنعه من تحديد أماكن سقوط صواريخ"حزب الله". وكان أحد مراسلي قناة ناطقة باللغة العربية كشف أن الصحافيين في إسرائيل، وهو منهم، كانوا يعلمون بأمر العملية الحربية الإسرائيلية على لبنان قبل أيام من بدئها إلا أنهم منعوا من التصريح بذلك. فالجو العام في إسرائيل أيضا، ومنه الإعلامي، هو أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. مشهد مكشوف مقابل المشهد الإسرائيلي الممسوك والمحاصر والمسيَّر يبدو المشهد اللبناني مكشوفاً ومخيَّراً على رغم الحصار والحرب المستمرة. فالفضائيات اللبنانية والعربية والأجنبية العاملة في لبنان ومعها وكالات الأنباء انتشرت من اليوم الأول للحرب ولم يعقها من اللحظة تلك إلا تقطيع أوصال لبنان ومحاصرته أجزاء منفصلة، ما اضطر المراسلين إلى البقاء في أماكنهم ولا حاجة إلى التذكير باستهداف طائرة إسرائيلية سيارة فريق تلفزيون"الجديد"وإصابة من فيها. ولا يخفي الموجودون منهم على خط التماس، في قرى الجنوب ومدنه، أنهم يتلقون رسائل مباشرة من جهات أمنية وعسكرية لبنانية هناك، إلا أنها تنصحهم بالانتقال من هذا المكان إلى ذاك، لضرورات ميدانية حربية، بحسبهم. وكما الميدان كذلك السياسة والموقف الذي لا تتخلى عنه أي من المحطات التلفزيونية اللبنانية المتعددة. فمن اليوم الأول والفسيفساء السياسية الإعلامية على حالها لم تتبدل. وإنما كل وسيلة إعلامية حددت درجة حرارتها العقلية والعاطفية، على إيقاع موقف التيار الذي تتبع له وتحركات قيادته. وهذا الكلام ينطبق على قناة"المنار"الواضحة الكلمة والانتماء قبل الحرب وإبانها وبعدها، كما ينسحب على تلفزيون"المستقبل"الذي يبذل جهداً من اليوم الأول لترجمة مواقف سعد الحريري وفؤاد السنيورة مقرونة بتظهير العاطفة الإنسانية التي تبديها تجاه النازحين مؤسسة الحريري في الدرجة الأولى واللبنانيون في المناطق التي لجأ إليها النازحون من الجنوب، في الدرجة الثانية. ولا ينسى"المستقبل"مشاعر الخسارة جراء التدمير الوحشي المتعمد للبنية التحتية التي يسجل للرئيس رفيق الحريري إنجازها. ولا يقتصر المشهد التلفزيوني اللبناني على هاتين المحطتين، فلكل تلفزيون لونه. وإذا كان"الجديد"يلتقي مع"المنار"في الموقف ونبرة المقاومة العالية، فإنه يتفرد في غير محور، لاسيما الذي يعجز"المنار"عن القيام به لأسباب ميدانية تمنع فرقه ومراسليه من التجوال والحركة أو تحد منهما، مثل البعد الإنساني الاجتماعي من خلال مواكبة أحوال المواطنين وأداء دور في سبيل تأمين حاجاتهم. فقناة"المنار"تركز وهي تبث من مكان ما على المعركة وأخبارها كونها جزءاً من الحرب وأسلحتها. ليس بسيطاً أو عبثياً أو صدفةً أن يبقى التنوع السياسي والإعلامي اللبناني حراً، وأن تختار كل وسيلة إعلامية لغتها ودرجة حرارتها في التعاطي مع الحدث، وفي ظروف صعبة مثل التي يمر بها لبنان واللبنانيون، بينما يتضاءل ذلك وينكمش بآلة استخباراتية وعقائدية في دولة"ديموقراطية"مثل إسرائيل. كأننا إعلامياً إزاء حرب بين ديموقراطيتين، أو بين"ديموقراطية"إسرائيل وحرية لبنان.