تتبلور في إطار الحرب الاسرائيلية الحالية على لبنان سلسلة من المعطيات الجيو - استراتيجية الجديدة تشمل المواقف والتحالفات التي تطرح أسئلة ملحة عن مسار المواجهات وما يمكن ان تؤول اليه: لجهة إسرائيل: 1- أظهرت الحرب الحالية على لبنان درجة العطب العالية للأمن القومي الإسرائيلي. فبعدما كانت إسرائيل تنقل الحروب إلى أراضي الغير، ها هي اليوم تتعرّض في عمقها لقصف صاروخي مستمر. 2 - للمرة الأولى، يصبح محور حيفا - تل ابيب، ومحور تل أبيب - القدس، حيث الكثافة السكانيّة الأعلى، عرضة للقصف ومن العيار الثقيل - يُعتبر هذا الأمر من المُحرّمات، في العقل الأمني الإسرائيلي. 3- عكست هذه الحرب، أنه لا يمكن حسم الحرب بواسطة القوّة الجويّة فقط، وإن كان هذا السلاح نجح في كوسوفو مثلاً. فسلاح الجوّ، يُحضّر الأرضية للعمل العسكري. 4- عكست هذه الحرب، انه وإن أقامت إسرائيل حزاماً أمنياً يمتدّ من الخطّ الأزرق، وحتى مجرى الليطاني، فإن هذا التدبير لن يوقف القصف الصاروخي، خصوصاً في ظلّ امتلاك"حزب الله"لصواريخ مداها حوالي 175 كلم زلزال-2. 5- عكست هذه الحرب ان إسرائيل، وحتى الآن، تعمل من ضمن ضوء اخضر أميركي. وهذا قد يُعتبر تبدّلاً أساسياً، خصوصاً ان الولايات المتّحدة كانت حيّدت إسرائيل منذ حرب الخليج الأولى، فهل عادت إسرائيل لتكون رأس الحربة في حرب أميركا على الإرهاب؟ 6- أخيراً وليس آخراً، عكست هذه الحرب، ان معضلة إسرائيل الأمنية تقع في ثلاثة أبعاد هي: الجغرافيا والطوبوغرافيا والديموغرافيا. لجهة"حزب الله": 1- لا ضرورة ل"حزب الله"ان يناقش الاستراتيجيّة الدفاعيّة للبنان على طاولة الحوار. كما لا ضرورة لاختبار هذه الاستراتيجيّة عبر ما يُسمّى"لعبة الحرب". فهو اليوم، يختبر عمليّاً ما قاله السيّد على الطاولة. مقاومة تدير الحرب، وجيش يهتمّ بالأمور الإنسانية، بناء الطرق كما ترميم الجسور، حتى وإن قُصفت مراكزه. 2- حزب يعلن للمرّة الاولى، وبصراحة تامة، عن أهدافه واستراتيجيّته، برضى اللبنانيّين أو عدمه: الحرب هي حرب الأمة ككلّ. كما عاد لبنان ليلعب دور الدولة العازلة، أو الدولة الساحة، خصوصاً بعد تبلور خطوط التحالفات ومحاورها في المنطقة. في المعنى العسكري لهذه الحقائق: 1- لا يمكن لإسرائيل ان تقبل بهذا الخطر المستمرّ على أمنها القومي، لذلك ستنتهز الفرصة للقضاء على الحزب. لكن الحزب لا يعمل في فراغ. فهو مترابط جغرافيّاً مع سورية، واستراتيجيّاً مع إيران. وسورية هي عقدة الوصل الأساسية. سورية متّصلة جغرافيا مع الحزب من منطقة الهرمل، كلّ سهل البقاع، وحتى أقصى الجنوب، مناطق ذات غالبية شيعيّة. 2- لا يكفي ان تقصف إسرائيل جوّاً وبحراً وبرّاً. فتحقيق الأهداف، يتطلّب عمليّة عسكريّة بريّة، بعد التحضير الجوّي. 3- وفي ظلّ غياب أيّ نافذة سياسيّة، وفي ظلّ تبلور التحالفات، يبدو ان المعركة البريّة أصبحت وشيكة - في انتظار بعض الترتيبات الأخيرة. على كلّ، من المفروض ان تكون إسرائيل قد وضعت أميركا في كلّ صورة الحرب الدائرة. في شكل المعركة البريّة الممكنة: إذا كانت المقاومة تعلّمت من حربها مع إسرائيل، فالعكس صحيح أيضاً. وبما ان نتيجة المعركة على الاثنين تُعتبر مصيريّة، فإن اللقاء على الأرض سيكون من نوع آخر. الحزب يريد جلب إسرائيل إلى معركته، وإسرائيل تعلّمت من لقائها الأول معه. وهنا تُطرح بعض الأسئلة: هل سيقاتل الحزب مباشرة، أم انه سينسحب حتى يمتدّ الجيش الإسرائيلي إلى المدى الأقصى ومن ثمّ ينظّم المقاومة على غرار ما حصل في العراق؟ هل ستدخل إسرائيل كما دخلت في العام 1982؟ أم أنها تعلّمت من دروس أميركا في الحرب الأخيرة على أفغانستان، حيث كان الدور الأهم للقوات الخاصة المدعومة بالقوّة الجويّة؟ وهل تدخل عمليّة التقطيع للمناطق، في هذا الإطار؟ أم هل ستعتمد إسرائيل على مزيج من نموذج ال1982 - أفغانستان؟ هل ستتمدّد إسرائيل في حربها البريّة إلى قلب البقاع، لتضرب تواصل المقاومة الجغرافي والعملاني مع سورية؟ وكيف ستتصرّف سورية حيال ذلك؟ هل ستردّ، وما هو الثمن؟