يساوي الدولار اليوم 5.7 جنيه مصري، وپ116 يناً يابانياً. فهل يحق لنا القول أن الجنيه المصري أقوى من الين الياباني وأن الاقتصاد المصري أقوى من الاقتصاد الياباني كون عدد الوحدات النقدية المصرية اللازمة لشراء الدولار هي اقل من عدد الوحدات اليابانية اللازمة لذلك ؟ تبنت الحكومات العراقية المتعاقبة شعار"تحسين سعر صرف الدينار العراقي"وكأنها تعد العراقيين بمفاتيح"مغارة علي بابا". وكان هذا الشعار،"الوعد"الذي وضعته حكومة الدكتور أياد علاوي ثم حكومة إبراهيم الجعفري، في مقدم ما أعلنته من توجهات اقتصادية. واليوم تفعل حكومة السيد نوري المالكي الشيء نفسه. وعدي ووالده صدام وعدا بذلك أيضا من قبل. فوفق تصريحات وزير المال بيان الزبيدي لجريدة"الصباح"البغدادية عدد 29/6/2006 تتجه نية الحكومة إلى رفع ثلاثة أصفار من الدينار لمساواته بالدولار. نستنتج من ذلك ان العملية المعتزمة لن تكون غير عملية تبديل عملة لا تتسبب في رفع قيمة الدينار أو خفضها. فالتوقع هو ان تكون نسبة الاستبدال 1500 دينار حالي بدينار واحد جديد. ومن ثم فإن راتب الموظف أو الأجير البالغ 150 ألف دينار حالي سيصبح 100 دينار جديد الا اذا تغير سلم الرواتب وهي تعادل 100 دولار. وبذلك يكون سعر الصرف 1.0دينار= 1.0دولار. وسعر كيلو لحم الضان البالغ حالياً 8000 دينار مثلاً يكون تبعاً لذلك 5.33 دينار جديد تقريباً. إن راتباً شهرياً مقداره 150 ألف دينار حالي يجلب 18.75 كيلو غرام من لحم الضان في بغداد حالياً. وعندما يتساوى سعر صرف الدينار بالدولار، وفق العملية الجديدة فإن راتباً شهرياً مقداره 100 دينار جديد المعادل ل150 ألف دينار حالي ستجلب أيضاً 18.75 كيلوغرام ، بمعنى تحقيق سلة المشتريات نفسها التي يجلبها الراتب الحالي البالغ 150 ألف دينار. ومن ثم فإن العملية المقترحة أو المخططة هي أشبه ما تكون بعملية"خداع البصر"أو بسراب أو بعملية التوقيت الصيفي. فالأمر سواء أقدّم عقرب الساعة ساعة أم استعيض عنه بتقديم وقت الدوام الرسمي. وبهذا فإن عملية معادلة سعر الصرف المقترحة لا يتباهى بها. لقد سبق لعدد من بلدان العالم الثالث ان طبق مثل هذا الأجراء ومنها تركيا في الثمانينات. معلوم ان الدينار العراقي هو عملة محلية وليست عالمية. وسيبقى كذلك في المستقبل المنظور وغير المنظور. ان قدرة البلاد على الاستيراد، ووضع مستويات استهلاك ورفاه الفرد العراقي، منوطة بوضع صادرات النفط وسياسات وطرق التصرف بها. ومعروف ايضاً ان نحو 99 في المئة من إيرادات النقد الأجنبي في العراق هي إيرادات دولارية/ نفطية، كون أسعار النفط تدفع بالدولار ولا علاقة لها بالدينار. لو كان الاقتصاد العراقي والعملة العراقية كالاقتصاد الياباني والعملة اليابانية مثلاً لكان لوضع الصرف الأجنبي فيه أهمية قد تكون مصدر نزاع واحتدام تجاري شديد كالذي كان بين أميركا واليابان، أو كالذي كان بينها وبين ألمانيا، طيلة السبعينات والنصف الأول من الثمانينيات. وكان الين الياباني من الانخفاض تجاه الدولار بحيث شكل مصدراً حمائياً رئيساً للصناعة اليابانية، فعرقل انسياب المنتجات الأميركية الى السوق اليابانية بإضعاف موقفها التنافسي هناك، وسهل انسياب وتدفق المنتجات اليابانية الى السوق الاميركية وتمتين الموقف التنافسي الياباني في تلك السوق. كما كان سعر التعادل بالدولار في فترة السبعينات والنصف الأول من الثمانينات في مستوى 230- 250 يناً للدولار. ألا أن ضغط الرئيس الأميركي رونالد ريغان المستمر على اليابانوألمانيا في المؤتمرات السنوية للسبع الكبار يوم لم تكن روسيا بينهم، وفي غير تلك المؤتمرات، اضطرت اليابان الى رفع قيمة الين بوسائل نقدية الى الضعف تقريباً من مستوى 230- 250 يناً للدولار، الى مستوى 120- 110 ين في النصف الثاني من التسعينات وما بعده. خلاصة القول هنا، ان قيمة الدينار تجاه الدولار تختلف في أوجه عدة عما هي في العملات العالمية. وأنها قضية شكلية لا تقدم و لا تؤخر، ولا يُتباهى بها. بيد أن العراقيين يتطلعون اليوم على أمور أهم من ذلك، ومنها: اولاً- في مجال الاقتصاد الكلي : 1- خفض نسبة البطالة الى 2- 3 في المئة مع نظام تعويضات وتأمين بطالة فعال. ومعروف ان نسبة البطالة اليوم هي 18 في المئة واليد العاملة المقنعة 31 في المئة بحسب وزارة التخطيط. 2- خفض نسبة التضخم الى 2-3 في المئة، مقابل نسبة حالية هي 20- 30 في المئة، الجزء الأكبر منها تضخم ارتفاع كلف. 3- تحسن مستمر في مستوى ألمعيشة بنسبة 20-30 في المئة سنوياً، ورفع"انقلابي"لمستويات معيشة الفئات المهمشة من السكان. 4- سياسة إنفاق تحقق للأقاليم والمناطق الجغرافية الفقيرة تعويضاً بيناً يعوضها الإجحاف والحرمان اللذين لحقا بها طيلة ثمانين عاماً هي فترة حكم الباشوات والإقطاعيين والقوميين والبعثيين. ثانياً - الاقتصاد الجزئي : 1 - سد النقص والعجز المتراكم في قطاع الإسكان. فهناك حاجة لبناء 300-320 الف وحدة سكنية سنوياً على مدى عشر سنين مقبلة، في حين ان معدل الإنجاز السنوي لسنة 2004 و 2005 كان في حدود 15 في المئة من الرقم المذكور ولا نتوقع ان يزيد معدل انجاز العام الحالي عن معدل السنتين المذكورتين، والشعار الاقتصادي العالمي يقول"إذا مشى البناء مشى كل شيئ". 2 سد النقص المتراكم الكبير في قطاع الطرق. ان كثافة الطرق في العراق معبّراً عنها"بمجموع أطوال الطرق مقسوم على مساحة البلاد"، هي من اقل الكثافات في العالم 0.09، بينما يبلغ هذا المعدل في بلد مثل تايلند 0.14 والبرازيل0.24 وكوريا 0.85، وفي اليابان 2.04، أي أكثر بحوالى 34 مرة من العراق. وهناك حاجة لإنشاء طرق رئيسة وثانوية بطول 8-10 آلاف كيلو متر سنوياً على مدى عشر سنين، فضلاً عن احتياجات إصلاح وتجديد شبكة الطرق الحالية المتآكلة. بينما يبلغ معدل الإنجاز الحالي 10 في المئة من المطلوب تقريباً. إذا حققت لنا الدولة هذه المطالب ومطالب أخرى مهمة غيرها فلا يهمنا رفع سعر صرف الدينار ليتساوى مع الدولار، أو إبقاؤه على حاله. * خبير اقتصادي عراقي.