تمر هذا العام الذكرى المئوية الثانية لبناء القصر المعروف باسم قصر شاندور في منطقة القلعة في بودا، حيث يعمل اليوم مكتب رئيس الجمهورية المجرية منذ بضع سنوات فقط. فقد أنشأ الكونت فنسه شاندور القصر في العامين 1805-1806 له ولعائلته على الطراز النيو كلاسيكي، على بعد أمتار عن القصر الملكي في قلعة بودا حيث كان شخصية متنفذة في البلاط. وشهد القصر في السنوات الأولى عدداً من الحفلات الباذخة، غير أن ابن الكونت، موريتس شاندور زاد من شهرة القصر بتصرفاته الغريبة، إذ كان محباً للفروسية والخيل وكان يدخل صالونات النبلاء ممتطياً فرسه الأصيلة. من جانب آخر أسهم موريتس بثروته في بناء جسر السلاسل الذي ربط بشت ببودا ويقع أسفل جبل القلعة أمام القصر تماماً. وفي 1831 باع الكونت شاندور القصر إلى عائلة نبيلة أخرى، حولته إلى دار للوثائق. تضرر القصر قليلاً خلال حرب 1848-1849 التحررية، واتخذه الأرشيدوق آلبرشت الحاكم النمسوي المدني والعسكري على المجر مقراً له في 1851 بسبب الدمار الكبير الذي أصاب القصر الملكي والحاجة إلى إعادة تعميره، ثم انتقل إلى القصر الملكي في 1856 بعد الإنتهاء من التصليحات. وبذلك أصبح القصر مهيئاً لوظيفته الجديدة التي حصل عليها بعد الإتفاق التاريخي بين النبلاء المجريين وبلاط هابسبورغ في إقامة ما سمي بالحكم الثنائي وامبراطورية النمسا المجر في 1867، حينما تشكلت حكومة مجرية تدير شؤون البلاد، فأختير قصر شاندور ليكون مقراً لأول رئيس وزراء مجري، ثم اشترته الحكومة المجرية في 1881. ومنذ ذلك الحين ولغاية انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح القصر مقراً لرئيس الوزراء. غير أن تحرير بودا من الجيوش النازية على يد الجيش الأحمر في كانون الثاني يناير 1945 كان باهظ الثمن، فقد دمرت غالبية المباني في قلعة بودا، وبينها قصر شاندور والقصر الملكي ووزارة الدفاع القريبة والكثير من مباني ساحة القديس جورج حيث يوجد القصر. وتم بعض الأعمال الترميمية في عامي 1955-1956 لحماية بقايا القصر، وانجز في 1961 وضع التصاميم الهندسية للقصر، وفي 1970-1971 قررت الخطط التفصيلية لإعادة اعمار المبنى استناداً إلى وثائق وصور تعود إلى العام 1940. واستمرت الدراسات لغاية تسعينيات القرن الماضي، واستكملت الأعمال بإجراء تنقيبات واسعة بين 1994-1998 كشفت خلالها الطبقات السابقة للقصر، ومن بينها دير للفرنسيسكان كان قائماً خلال القرون الوسطى. وجرى حفظ خزان الماء التابع للدير وتغطيته بغطاء من الزجاج. وفي 1999 صدر التكليف بإعادة البناء بهدف تحويل القصر إلى مقر لرئاسة الوزراء مجدداً، وابتدأ العمل في العام 2000 وانتهى في 2002. خلال إعادة البناء لم يجر اتباع توصيات ميثاق فينيسيا لتجديد المواقع الأثرية الخاصة بعدم إعادة كامل الهيئة الأصلية، بل قاموا على عكس العادة في المجر بإعادة بناء كاملة، مثلما حصل مع إعادة بناء القصر الملكي في وارشو وقصر تسارسكويه سيلو قرب سانت بطرسبرغ. غير أن العملية واجهت صعوبات جمة، إذ كان هناك نقص كبير في الوثائق والتصاميم الأصلية ونهبت محتويات القصر من الأثاث والتحفيات التي سلمت من دمار الحرب العالمية الثانية تماماً ونقلت إلى روسيا كغنائم حرب. يعد المعماري النمسوي يوهان آمان مصمم القصر، بالتعاون مع المعماري المجري الشهير ميهاي بولاّك الذي أنجز التصاميم الداخلية بالدرجة الأولى، وأنجز النحات الألماني أنتون كيرشنماير التماثيل الخارجية ونافورة نبتون الواقعة في الباحة الداخلية. وعند تحويل القصر إلى مكتب لرئاسة الوزراء لاحقاً أسهم عدد من أشهر المعماريين المجريين في توسيع المبنى وتجميله، بينهم ميكلوش إيبل الذي أنجز تصاميم قاعة ماريا تريزيا وقاعة الغوبلين نوع من النسيج، والغوبلين المستعمل كان هدية من ماريا تريزيا للقنصلية المجرية في فيينا بعد أن اقتنته من ورثة الأمير بال-أنتل أسترهازي وهو الذي عين الموسيقار الشهير يوزف هايدن ليعمل في قصره في غرب المجر العام 1761، ولاحقاً نقل أثاث القنصلية إلى هذا القصر في 1875. تتميز واجهة القصر المطلة على ساحة القديس جورج بطابعها الإفقي، وبساطتها. من بين قاعات القصر الشهيرة هناك الصالون الدائري الذي تصل إليه أربعة أبواب وتتوسطه ثريا ضخمة، وصالة المرايا التي اقتبست اسمها من ثلاث مرايا ضخمة، والصالون الإمبراطوري الصغير الذي يطل على ساحة القديس جورج، وفيه باب يؤدي إلى صالة الغوبلين التي غطت جدرانها الأربعة هذه المنسوجات الشهيرة التي صنعها فرانسوا بوشيه في 1749 بطلب من الأمير ميكلوش أسترهازي، ونسجت فيها مناظر من الميثولوجيا الإغريقية. أما صالة ماريا تريزيا فقد غطيت جدرانها بنسيج حريري على طراز الباروك، وعلقت عليها صور الحكام النمسويين مثل ليوبولد الأول وفرديناند الخامس وماريا تريزيا، وأثاثها كان على نمط الباروك. وتطل شبابيك صالة المباحثات الرئاسية على الدانوب وكانت مؤثثة بمناضد وكراسي على الطراز الإمبراطوري. وزينت جدران غرفة الإنتظار الوزارية وهي غرفة عمل رئيس الجمهورية اليوم بصور رؤساء الوزارة المجرية التي رسمها أشهر الفنانين. ويبرز في القصر السلم المرمري المزخرف الذي يصل إلى الطابق الأول. بعد إعادة البناء صنع المصممون نسخاً مماثلة للأثاث الذي كان موجوداً في القصر قبل تدمره ونهبه، في حين تم شراء بعض قطع الأثاث القديم ونقل بعض من مقتنيات المتاحف المجرية ليخرج القصر بحلته الجديدة. انتقل مكتب رئيس الجمهورية المجرية إلى البناية التي استعادت بهاءها السابق في 23 كانون الثاني يناير 2003، بعد أن فضل رئيس الوزراء الإشتراكي الذي فاز في انتخابات سنة 2002 عدم الإنتقال إلى القصر وتحويله إلى قصر لرئيس الجمهورية.