المواقف السياسية الحالية في لبنان منطق يواجه منطقاً آخر. وقد نقتنع بوجهة نظر جهة معينة، وأحياناً ببعض ما تطرحه الجهات الاخرى. لكن الاخطر ان يفرغ المنطق من التفكير، وبدل ان يكون التفكير والتأمل في كل شيء، تنعكس الامور ويصبح المنطق فقط وسيلة للدفاع عن وقائع وصُدف تاريخية تصير بمثابة الثوابت ويصير المنطق ينطلق منها، ويصبح المنطق يبنى بحسب ضروراتها وأحكامها. وكأن التملك يصبح القاعدة ويكتسب صفة الحق، وكأن لبنان كان فلذة مقتطعة من ارض متوارثة، وكأن ليس له حق ان يبني نفسه على هواه، وحتى ان يتصارع ابناؤه من اجل التوصل الى نظام اجتماعي افضل يلبي مطالب الاكثرية الشعبية... وبدل ارساء العلاقات بين الدولتين بالرضا وفتح صفحة تاريخية جديدة، صار التبادل الرسمي وكأنه عقوبة يجب ان تطبق، او أمر غير طبيعي، في زمن صارت العلاقات الديبلوماسية بما تعنيه من حفظ مسافة مع الآخر، هي الامر الطبيعي، وكأن استشراف التطبيع بين دولتين صديقتين كما تصفان بعضهما البعض، يثير حساسية الكلمة بما في ذلك استذكار للتطبيع مع اسرائيل وخوف من التشابه بين الحالين، ولا شبه ولا تشابه، طالما اننا لا نتوقف عن القول دائماً ان الدولتين صديقتان، بصداقة عميقة... كما صار استعراض القوة، والاستناد الى منطق حاجة الدولة الى الاخرى يتمظهر ان باقفال المعابر التجارية البرية، لتدليل على عمق العلاقات وأهميتها، وضرورة التلازم المشترك، بدل التعبير الصحيح عن ذلك باقامة علاقات حماية مشتركة، خصوصاً ان الدولة الاكبر غالباً ما تردد القول بأنها تخاف من الدولة الصغرى التي تهدد امنها وتكون احياناً ممراً للتآمر على الدولة الكبرى. وطالما ان الامر على هذه الحال، فلماذا الدولة الكبرى تستعدي الدولة الصغرى؟ وفي ذلك ايضاً تعتبر الدولة الكبرى انها تضيق على الحدود بين البلدين لأن اميركا تضيق عليها في الاماكن العربية الاخرى التي تشهد حالات حروب وفوضى، وهو المنطق المعكوس. لأن اميركا لم تفكر يوماً بالتضييق عليها الا لأنها هي تضيق على لبنان. فاذا حُلّت عقدة لبنان، حُلّت عقدتها هي. انها تشكل من رد الفعل على اعمالها ذريعة للظهور بمظهر المظلوم وللدفاع عن نفسها بمواجهات عدة. كل هذا المنطق، هل يشبه منطقاً آخر؟ هل سمعنا مثل هذا المنطق من قبل، وأين؟ بلى، لدى الذين يقولون اننا لن نرسل الجيش الى الجنوب لئلا نحمي اسرائيل. انهم يربطون الظاهرة بسبب، لا علاقة بينهما البتة. وكأنهم يرون الجزء الصغير من الغاية ولا يرون الغابة كلها، طرف الجرح ولا الجرح المفتوح النازف. وكأنهم يرفضون ويتغاضون عن حل المشكلة لكي يتمسكوا بمبادئ صغيرة قديمة، او لئلا يتنازلوا عنها، او كي يحافظوا على مبدأ الوفاء. انهم وكأنهم يضحون بالآمال الكبيرة من اجل مكسب صغير، ومنطق لا يصمد كثيراً. بيتر قشوع - سوق الغرب - لبنان