لا تخفى على أحد الحماسة التي تلف الدولة المضيفة ألمانيا، على أبواب انطلاق أكبر تظاهرة كروية، المتمثلة بكأس العالم لكرة القدم. إلا أن المشاعر المتضاربة بدأت تتسلل الى نفوس المشجعين الألمان، الذين أبدوا قلقهم حول الأداء الذي يمكن أن يقدمه منتخب بلادهم المتذبذب المستوى في المباراة الافتتاحية أمام كوستاريكا، في موازاة عدم إمكان تجاهلهم خيبات أمل المنتخبات الكبرى التي واجهت المآسي عند قص شريط انطلاق بعض النسخات السابقة. وإذ تصب جميع الترشيحات ناحية تخطي المنتخب الألماني الفائز باللقب العالمي ثلاث مرات أعوام 1954 و1974 و1990 نظيره الكوستاريكي بسهولة نسبية، يرفض أبناء"الكونكاكاف"هذه التوقعات، مصرين على إحداث المفاجأة على طريقتهم الخاصة. ولا يمكن استبعاد تحقيق الكوستاريكيين مبتغاهم في اللقاء الذي يحتضنه ملعب"اليانز ارينا"في ميونيخ، بالنظر الى أدائهم المقبول في النسخة السابقة، إذ كانت كوستاريكا الوحيدة التي تمكنت من هز شباك البرازيل حاملة اللقب مرتين، عندما التقى المنتخبان في الدور الأول 2-5. ويضاف الى هذا الأمر تصنيف كوستاريكا في خانة المنتخبات القادرة على قلب التوقعات، على غرار منتخبات سابقة تركت بصماتها في أهم بطولة كروية من دون أن تكون في حاجة الى إحراز الكأس الذهبية. وبالعودة الى كأس العالم 2002، التي استضافتها كوريا الجنوبية واليابان، بدا المنتخب الفرنسي حامل اللقب وقتذاك في طريقه الى اكتساح منافسه السنغالي في المباراة الافتتاحية، وخصوصاً أن الفرنسيين فاقوا خصومهم بأشواط عدة"على الورق"، في ظل تخمة النجوم ضمن تشكيلتهم، أمثال تييري هنري ودافيد تريزيغيه وباتريك فييرا وليليان تورام وغيرهم. إلا أن المفاجأة المدوية التي صعقت"الديوك"كانت خروجهم بخسارة مريرة صفر-1 اثر هدف حاسم سجله لاعب فولهام الانكليزي الحالي بابا بوبا ديوب كان لاعباً مع لنس الفرنسي وقتذاك باصرار وعزيمة منتخب"اسود التيرانغا"، الذي ينضوي غالبية لاعبيه تحت كنف النوادي الفرنسية، ما رفع مستواهم وبالتالي تحقيقهم انجاز بلوغ الدور ربع النهائي، في مقابل خروج فرنسا من الدور الاول من دون تسجيل اي هدف. ولم يكن الوضع مختلفاً عند افتتاح مونديال ايطاليا 1990، اذ طبع منتخب افريقي آخر هو الكاميرون بصمته الخاصة بطريقة مشابهة، بعد اسقاطه الارجنتين حاملة اللقب وقتذاك بهدف وحيد سجله فرنسوا اومام بييك. وفي الوقت الذي لم يؤمن فيه الجميع بمؤهلات زملاء روجيه ميلا في مواجهة عظمة الاسطورة دييغو ارماندو مارادونا، حمل اومام بييك من ملعب"جيوسيبي مياتزا"في ميلانو القارة السمراء بأكملها الى اعلى المستويات، اثر انجاز بلوغ الكاميرون الدور ربع النهائي، الذي خرجت منه بصعوبة على يد انكلترا 2-3 بعد التمديد. واختبرت المانيا تحديداً معنى"لعنة مباراة الافتتاح"في مونديال الارجنتين عام 1978، اذ تعادلت سلباً مع بولندا، التي ستواجهها في النسخة الحالية ضمن مباريات المجموعة الاولى. ويمكن القول ان الاوضاع النفسية والفنية التي يعيشها"المانشافت"يتوقع ان تؤثر فيه، وهذا ما اشار اليه كثيرون في المانيا، خصوصاً الذين ابدوا تحفظهم حول تغيير التقليد المتبع، في اشارة الى خوض منتخب الدولة المضيفة مباراة الافتتاح عوضاً عن حامل اللقب، ما يرتب ضغوطاً كبرى على اللاعبين المفترض تسلحهم بعاملي الارض والجمهور لتحقيق افضلية نسبية على منافسيهم. الا ان الحقيقة الدامغة ان الالمان انفسهم اعتادوا النهوض من كبواتهم عبر الاعتماد على النفس الطويل للاعبيهم اصحاب اللياقة البدنية العالية، ما منحهم ميزة فريدة رفعتهم الى منصات التتويج في شكل مفاجىء مرات عدة، على غرار المونديال الآسيوي، الذي خسرته المانيا امام البرازيل صفر-2. لذا لن يدق مشجعو"المانشافت"ناقوس الخطر باكراً كما يعتقد البعض، وسط تأكيدات المدرب يورغن كلينسمان ان الصدأ ازيل تماماً عن"الماكينات الالمانية"، التي ستعود الى العمل لصناعة حقبة ذهبية طال انتظارها.