هل انتهى عهد السيطرة الروسية على جنوب القوقاز؟ المحزن ان النفوذ الأميركي في المنطقة غدا أمراً واقعاً. وعلى السياسة الروسية ان تأخذ في الاعتبار العامل الأميركي عند تعاطيها مشكلات جنوب القوقاز وقاضاياه. وخير لروسيا ان تعي تماماً أسباب التغلغل الأميركي في القوقاز، فما هو المشروع الأميركي في المنطقة؟ تربط الإجابة، تقليدياً، النفوذ الأميركي بمشروع مد أنابيب النفط"تبليسي - باكو - جيهان". لكن المشكلة أعمق وأكثر تعقيداً، وتتصل بالدور الخاص الذي أدته روسيا في المنطقة وتاريخها. ومنذ الأيام الأولى لظهورها دولة مستقلة، اعتبرت روسيا نفسها وريثاً شرعياً للاتحاد السوفياتي بجنوب القوقاز، وصاحبة نفوذ استراتيجي فيها. وبنت سياساتها على هذا الأساس. ولا شك في أن السياسيين الروس، ورجال الأعمال والمال والنخب المختلفة، تمتعوا بوضع ميزهم من النخب الأميركية أو الأوروبية او الإيرانية أو التركية. ولكن ملامح التفوق الروسي في المنطقة تلاشت تدريجاً منذ 1997. وفي صدارة أسباب التلاشي هذا ان السلطة الروسية توقعت رضوخ الجمهوريات السوفياتية السابقة"صاغرة"للأوامر الروسية. بيد ان سلسلة الحروب المحلية والانفصالية أحدثت شرخاً واسعاً. وظهر بعد ذلك فريق أذربيجانوجورجيا، وقضت مصلحته باستقدام لاعبين سياسيين كبار الى المنطقة لموازنة التأثير الروسي فيها. واستجاب التغلغل الأميركي الدعوة، ولم تقترح واشنطن مبادرات لتسوية المنازعات في المنطقة. فلا أرمينيا، ولا أذربيجان، ولا جورجيا، قادرة على الاندماج في الاقتصاد الدولي، وهي تفتقر الى المؤسسات الديموقراطية. ومن غير الدور الروسي يبدو التوصل الى حلول للمشكلة الابخازية والاوسيتية عسيراً. وعلى هذا، لا يصح القول ان واشنطن أبعدت موسكو عن المنطقة. وعليه كذلك، لا يصح الكلام على مواجهة أو صراع بين الدولتين هناك. فما يشغل روسيا هو الاستقرار على حدودها الجنوبية. وما دام الكرملين عاجزاً، اليوم، عن أداء دور شرطي المنطقة، فربما عليه أن يتقاسم المهمات مع الولاياتالمتحدة. وينبغي الإقرار بأن"أمركة القوقاز"ليست مؤامرة ضد روسيا. فهي نتاج طبيعي لتطورات جيو- سياسية، فقدت روسيا بموجبها، وجراء أخطائها، بعض مواقعها. ولدولتين من ثلاث جورجياوأذربيجان مصلحة في تعزيز النفوذ الأميركي. وترى الجمهوريات المتصارعة مع جورجيا أبخازيا واوسيتيا الجنوبية، الى أرمينيا، في النفوذ الروسي ضمانة للأمن والاستقرار. عن سيرغي ماركيدونوف، "ازفيستيا" الروسية ، 1/6/2006