أنشأ قبة الصخرة الخليفة عبد الملك بن مروان سنة 72 ه الموافق لسنة 691 فوق صخرة المعراج، امتازت برونقها وحسن جمالها، وكذلك بتصميمها الفريد في تاريخ العمارة العربية في العصر الاسلامي، ويعتبر بناء قبة الصخرة ذات دلالة واضحة على الاستقرار ومدى الرفاه الذي وصلت اليه الدولة الاسلامية آنذاك. فقد جمعت القبة المشرفة بين جمال الهندسة المعمارية والذوق العربي الرفيع، مع الافادة من الاسلوب البيزنطي، وقد تم مراعاة الاتجاهات الفنية في اختيار الشكل الثماني والقبة المركزية المزدوجة، وتوحي زخارف الفسيفساء في القبة الشامخة بالصفاء الروحي، وتذهب عملية البناء الى أبعد من ذلك حين تأخذ في الاعتبار متطلبات الدين والعمران في ذات الوقت، فالتخطيط المضلع المثمن زاد من متانة القبة، وسهل التخطيط الدائري عملية الارتكاز، اما الرواق الخارجي للقبة فقد حقق هدف الطواف حول الصخرة المشرفة للتبرك بها، كما ان الرواق الداخلي استخدم للغرض عينه، ولاقامة الصلاة ايضاً. وبالعودة الى القسم الثاني من الموسوعة الفلسطينية الجزء الخاص بالدراسات التاريخية الصادر في بيروت عام 1990، يمكن التأكيد بأن عبدالملك بن مروان كان يهدف من وراء بناء قبة الصخرة اقامة اثر اسلامي يعتز به المسلمون في بلاد الشام، ويرجح بعض الباحثين ان تصميم القبة قد تأثر بعض الشيء بتصاميم المساقط المضلعة والدائرية لبعض الكنائس المحلية التي كانت موجودة في بلاد الشام قبل الاسلام مثل كنيسة بصرى الشام في محافظة درعا في جنوب سورية ذات المسقط الدائري، وكنيسة الصعود في جبل الزيتون في فلسطين ذات المسقط المضلع الذي يحيط بدائرة، فضلاً عن التأثر ببناء كنيسة القيامة القريبة من المسجد، وفي المقابل يرى عدد كبير من الباحثين ان بناء قبة الصخرة انما هو نموذج فيه الكثير الجديد مما يجعله ملائماً للغرض الذي شيد البناء من اجله، وبذلك يشكل نموذجاً خاصاً في فن العمارة العربية والاسلامية، ويؤكد ان العرب المسلمين انتقلوا في عهد مبكر من مرحلة الاقتباس الى مرحلة التطوير والابتكار، وهذا بحد ذاته بذور طراز فن معماري عربي اسلامي. اضافة الى ما تقدم يمكن القول ان قبة الصخرة من أولى القباب الخشبية التي بنيت في الاسلام، فضلاً عن كونها تصميماً خاصاً في فن العمارة العربية الاسلامية، فهي تتكون من طبقتين من الخشب بينهما فراغ، وقد غطيت من الخارج بصفائح من الرصاص فوقها ألواح من النحاس والبرق، ومن الداخل مغطى بطبقة من الجبس المنقوش، ومن الاهمية بمكان الاشارة ايضاً الى انه من بين أهم المميزات التي تتمتع بها قبة الصخرة وبنائها الفني هي الانحناء البسيط في دائرة دعائم القبة، الامر الذي ادى الى تجنب حجب الاعمدة الواقعة امام المشاهد للاعمدة الاخرى المقابلة لها في الجهة الاخرى. ولم تتوقف عملية الانبهار عند مميزات قبة الصخرة من حيث فن العمار والتصميم، بل اعطت النصوص الكتابية التي تضمنها البناء رونق لا اجمل ولا احلى، فهناك على سبيل المثال لا الحصر نص مكتوب في الجزء العلوي من التثمينة الداخلية نفذت حروفه بواسطة الفصوص المذهبة على ارضية زرقاء من زخارف الفسيفساء تتضمن آيات قرآنية، واسم الباني للقبة، وبذلك يتوضح من دون شك تاريخ دخول الحرف العربي وطريقة كتابته كعنصر من عناصر فن العمارة والزخرفة. ويبقى القول بأن قبة الصخرة المشرفة والتخطيط لبنائها، وكذلك التمحيص بالفنية العالية في الانشاء والفسيفساء انما يشي في شكل لا لبس فيه بمستوى تقدم العرب والمسلمين وتطورهم في علم الهندسة وفي فن البناء منذ قرون خلت، فقد كانت وما زالت القبة المشرفة اضافة الى المسجد الاقصى المبارك بؤرتان رئيسيتان لمدينة القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. * باحث، مكتب الاحصاء الفلسطيني - دمشق