ربما لا تختلف التجربة المسرحية الإماراتية كثيراً عن التجارب الأخرى الخليجية. لكن ما يميز هذه التجربة هو حضور مخرجين معروفين على المستوى العربي كجواد الأسدي الذي قدم مسرحية أحمد بن ماجد في افتتاح مهرجان المسرح الخليجي الذي أقيم في الإمارات قبل سنوات. وكلف هذا المهرجان مبالغ طائلة، فإضافة إلى كلفة المسرحية، هناك كلفة المسرح الذي أنشئ خصيصاً لهذه المناسبة. من جانب آخر، تميزت الحركة المسرحية في الإمارات بجهود مبدعيها وإصرارهم على تحقيق طفرة فنية تواكب بقية مظاهر التنمية المجتمعية. فتفننوا في إظهار قدراتهم الإبداعية واستلهموا مدخرات ارثهم الثقافي وأفادوا من الطفرة العالية في تقنيات المسرح المختلفة، فمزجوا الحاضر بالماضي، وسخّروا الإمكانات الحديثة لخدمة الحركة الفنية، وخصوصاً ما يتعلق بالموروث الذي يحمل الهاجس الشعبي والطابع المحلي، ما عزز دور المسرح في التربة الثقافية والفنية في الإمارات فأينعت إبداعات مختلفة قلما تتوافر في زمان أو مكان واحد. وبرز عدد من المبدعين ممن رسخوا أسلوبهم الإبداعي في التربة المسرحية الإماراتية، فظهرت تجلياتهم من خلال العروض المسرحية المختلفة بمدارسها وأصولها، ولكن في الوقت ذاته انحصر الإبداع في قلة من المخرجين من أبناء الدولة ممن خطوا لأنفسهم درباً رصيناً في العملية الإخراجية وأسسوا لوناً خاصاً بهم فتميز عبدالله المناعي الذي خط لنفسه منهجاً يؤكد من خلاله أنه ابن بار للمسرح وشجونه، فحفر بيد من حديد وما زال يكمل المشوار من دون كلل أو تخاذل في صوغ ورش مسرحية تؤسس منهجاً أصيلاً نحتاجه في مسرحنا المحلي. وتميز ناجي الحاي وأثبت أنه مخرج يعي تماماً رسالته وأسس تقديم هذه الرسالة شكلاً ومضموناً. وتفنن في نبش أغوار الشخصيات التي يرسمها لتظهر على الخشبة، وكأنها جزء من واقع نعيشه ونتأثر به. ولعل تخصصه الأكاديمي في علم النفس ساعده على هذا التميز. وتميز أيضاً حسن رجب في إيجاد العلاقة المفقودة بين الكوميديا والفكر الذي نحتاج أن يرسخ في زمن العبث الذي نعيشه، فاستطاع حل المعادلة الصعبة في إيجاد هذا التوازي الذي يعجز الكثيرون عن تحقيقه. وأخيراً يحاول أحمد الأنصاري ومن خلال اللون الشعبي أن يؤطر مسرحاً ذا لون خاص ونكهة تعبق بالتراث ما يجعله متفوقاً في أحيان كثيرة على نفسه والآخرين في لون نحتاجه بلا شك لنؤكد على خصوصيتنا وإرثنا. أما في مجال الكلمة وصوغ نص مسرحي يحاكي الواقع ويتلمس الجراح المتأصلة في وجداننا وعقولنا فنجح محمد الضنحاني وإسماعيل عبدالله وباسمه يونس وناجي الحاي وجمال سالم وسالم الحتاوي في معالجة هذه الجراح وإلقاء الضوء على مسبباتها وطرق الوقاية منها وتميزوا في ذلك. أما على صعيد التمثيل فتميز الكثر من مبدعينا ما جعلني على قناعة تامة بعدم الإشارة الى مبدع دون سواه خصوصاً أننا نذكر ثلاثة أجيال متعاقبة ازدحمت بالمبدعين على خشبات المسرح الإماراتي، لذا أرجو المعذرة. ولو أردنا أن نسلط الضوء على بقية عناصر العرض المسرحي، فلا يمكننا أن نتجاهل محمد الغص ووليد الزعابي في الديكور، ومحمد جمال ومحمد صالح في الإضاءة، وإبراهيم الأميري ومسعود أمر الله في الموسيقى، وهدى الخطيب في الملابس والاكسسوار، وطارق خميس وخالد طاهر في الإنتاج. أما على صعيد المسارح المتميزة فهي تنحصر بين فرقة"مسرح الشارقة الوطني"وپ"مسرح دبا الفجيرة"وپ"مسرح دبي الأهلي"وپ"مسرح رأس الخيمة الوطني"وپ"مسرح كلباء الشعبي". وعدا هذه الفرق فهي ما زالت تحاول ومن دون تأصيل عروضها الفنية. * ناقد يحمل شهادة دكتوراه في المسرح الخليجي