تستقبل محافظة الموصل 500 كلم شمال بغداد اعداداً متزايدة من النازحين، قادمين من بغداد ومحافظات جنوبية، فيما تودع نازحين آخرين من الاكراد والمسيحيين باتجاه سهل نينوى واقليم كردستان لأسباب تكاد تكون متشابهة تتلخص في"الحفاظ على الحياة". في غضون ذلك لوحظ انخفاض أسعار المنازل والعقارات السكنية في مناطق في الموصل تسكنها غالبية كردية ومسيحية مثل أحياء عدن والكرامة والبكر الواقعة في الجانب الأيسر من المدينة، بعد توزيع منشورات تطالب الاكراد والمسيحيين بالمغادرة. ويرى رئيس"المنظمة الاسلامية لحقوق الانسان"في الموصل حارث اديب ان"التوتر الطائفي الذي بدأت تعيشه الموصل في الفترة الأخيرة حالة غريبة لم يُعرف لها مثيل في السابق". واشار الى وجود"أياد خفية رفض الافصاح عنها داخل المنطقة تعمل بتأثيرات خارجية هدفها توتير العلاقات بين القوميات والمذاهب والاديان المتعددة في المدينة"، ولفت الى"عدم وجود مصلحة لأية جهة من أهالي الموصل بزرع الفتنة الطائفية وتشويش العلاقات بين القوميات والأديان المختلفة في المدينة". وانتقد ابراهيم"التسهيلات"التي تقوم بها المؤسسات والدوائر الحكومية في المدن التي نزحت منها العائلات السنية، خصوصاً البصرة، موضحاً ان"بعض الموظفين من هذه العائلات النازحة تحدثوا عن تعليمات واردة الى أماكن وظائفهم لتقديم تسهيلات لعملية نقلهم الى الموصل، مع تعليمات مماثلة لنقل عائلاتهم"، واصفاً الأمر ب"العمل المدبر"أو"الحماقة". وذكر ابراهيم أن"150 عائلة نزحت من البصرة و50 عائلة من بغداد"محذراً من ان"نزيف الهجرة ما زال مستمراً"، ولفت الى ان"معظم العائلات النازحة هي التي تبادر لمراجعة منظمتنا ونحاول مساعدتها بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر ومكتب الهجرة والمهجرين". وأرجع أسباب النزوح الى الموصل، على رغم عدم استقرار الأوضاع الأمنية فيها بشكل تام، الى"وجود غالبية سنية تعيش في المدينة بحيث تشعر العائلات النازحة بالأمان على حياتها وضمان عدم قتلهم بسبب اعتناقهم المذهب نفسه". بعض العائلات النازحة حملت خيمها معها ونصبتها في أماكن متفرقة من المدينة بسبب الضائقة المالية التي تمنعهم من استئجار بيوت، وسط ارتفاع حرارة الطقس في هذا الصيف اللاهب الذي بدأ هو الآخر يشن هجومه على اهالي المنطقة في غياب الكهرباء والماء والخدمات الصحية. مقابل ذلك، شهدت الموصل أخيرا هجرة معاكسة تمثلت في نزوح عدد كبير من العائلات الكردية والمسيحية الى اقليم كردستان بعد التهديدات التي تلقتها من جماعات مجهولة أدت الى انخفاض كبير في أسعار بيع العقارات والمنازل في المناطق التي تقطنها غالبية كردية او مسيحية. أبو سيروان 45 عاماً مواطن كردي لخص سبب انخفاض أسعار الدور في منطقته حي بكر بأن"الخلاص والنجاة بحياتنا هو الأهم"، واشار ابو سيروان، الذي رفض ذكر اسمه الكامل، الى ان سعر منزله الآن لا يزيد عن ربع سعره الحقيقي. ويقول أبو محمد 40 عاماً صاحب مكتب عقاري في حي عدن في الموصل:"ان مكتبه يستقبل أعداداً متزايدة من الأشخاص الذين يريدون بيع منازلهم"مشيراً الى ان"الكثيرين لم ينتظروا بيع منازلهم وغادروا بعد تسليمنا المفاتيح". وأوضح أن"أسعار العقارات في منطقته"وصلت الى حدودها الدنيا في الفترة الاخيرة بسبب الزيادة في عرض الدور للبيع مقابل انخفاض عمليات الشراء". ووسط حمى الفرز الطائفي والمذهبي والديني الذي تعيشه المنطقة تظل مسألة الحفاظ على الحياة الهدف الأساسي للعائلات التي لم تفكر يوماً بأنها ستجبرعلى مغادرة ديارها والرحيل عنها للعيش في أماكن اخرى.