قبل وقت قريب، تباهى قائد المنطقة الجنوبية، يوآف غلينت، بأن إطلاق صواريخ"القسام"، من غزة، على اسرائيل لن يدوم بعد طويلاً. فاللواء المحترم على يقين من ان قصف الجيش الإسرائيلي الكثيف غزة، وزيادة عمليات الاغتيال المستهدفة، لن يلبثا ويحملا الفلسطينيين على إدراك الثمن الباهظ الذي يسددونه لقاء إطلاق الصواريخ. وهذا قرينة على جهل اللواء غلينت المطبق بالثقافة السياسية الفلسطينية، وبالذهنية الجماعية التي تسود المجتمع الفلسطيني. فرد الجمهور الفلسطيني على العمليات العسكرية الإسرائيلية في المناطق المحتلة هو مداومة السعي في تسديد اسرائيل ثمناً دموياً غالياً وليس الإقلاع عن العمليات. وليس المضي على إطلاق صواريخ"القسام"إلا التمثيل على هذه الإرادة. فالأمور تشير الى الأسوأ. وبدل محاولات لا طائل منها لإخضاع الفلسطينيين على اللواء المحترم، وعلى زملائه، الحؤول دون الانزلاق الى الهاوية. وكان قادة"حماس"وفيهم رئيس الحكومة هنية، أعربوا عن استعدادهم لإبرام وقف اطلاق نار، على ألا يكون احادياً وفلسطينياً داخلياً، على شاكلة التهدئة. فالشرط، اليوم هو موافقة ثنائية عليه. وعلى اسرائيل ان تتعهد وقف القصف وعمليات الاغتيال المستهدفة وحملة الاعتقالات الواسعة في الضفة، ونجم عنها قتل بعض المطلوبين. وعلى الفلسطينيين - ابو مازن وهنية معاً - قبول وقف إطلاق النار، وإلزام الفصائل الكف عن إطلاق صواريخ"القسام". فوقف إطلاق نار ثنائي ومتفق عليه يخول القيادات الفلسطينية الإجماع على اتفاق داخلي مع الفصائل كلها، وفرض الاتفاق عليها. ولا مناص من إشراك المصريين في صوغ التفاهمات هذه. فهم أثبتوا قدرتهم على التوسط بين الفصائل الفلسطينية. وشأن الوساطة المصرية ان تضطلع بنقل المعلومات الاستخباراتية من اسرائيل الى الفلسطينيين عن"القنابل الموقوتة"في الوقت المناسب، وتولي الفلسطينيين إحباط الهجمات قبل انطلاقها. ومحور المشكلة العالقة الاتفاق مع"حماس"قبل اعتراف هذه بإسرائيل وقبولها المطالب الدولية. وعسر اتفاق كهذا سبب في إشراك مصر التي يسعها التكلم مباشرة الى زعماء"حماس"والتوسل بديبلوماسية ملائمة، وإقرار اتفاق غير مباشر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على وقف إطلاق النار. فمرة اخرى، ثبت ان اسرائيل لا تحوز الوسائل العسكرية القادرة على منع"القسام". والكلام على الدخول براً الى غزة عقيم، فهو يعرض جنودنا الى هجمات مؤذية. وعندما كانت اسرائيل تسيطر على غزة سيطرة تامة، وكان الجنود والمستوطنون المسلحون في كل مكان، كانت صواريخ"القسام"تطير فوق الرؤوس. وليس ما يضمن صمود وقف اطلاق نار ثنائي. ولكن ليس ثمة ما نخسره. ووقف اطلاق النار مدة ستة اشهر في مرحلة اولى، يمكن بعدها تمديده، صيغة مثلى. ولما كانت الخطوات المزمعة متفقاً عليها، فخير لنا الطلب الى الأميركيين والمصريين انشاء لجنة تتولى النظر في الانتهاكات. وشأن هذا الإجراء ان يقلص تلقائياً الانتهاكات وما قد تؤدي إليه من تصعيد مقلق وخطر. قد يقول لي الجنرالات وأنصار اليمين ان الفلسطينيين غير معدين لفرض مثل هذا الاتفاق. والحق انه لم يسبق ان اقترح المنتقدون مرة واحدة، صيغة تحول دون سفك دماء الفلسطينيين وودمائنا. فربما آن أوان سبر عقل الفلسطينيين وإظهار اسرائيل بمظهر دولة قادرة على تغيير نهجها، والتطرف على نحو يستعيض بالمصالحة عن اسلوب القوة. عن د. غرشون باسكين المدير المشارك لمعهد اسرائيل - فلسطين للدراسات والأبحاث"يديعوت احرونوت"الإسرائيلية ، 26/6/2006