استطاع فيلم"ياسمين تغني"، وهو أول تجربة روائية للمخرجة الفلسطينية نجوى نجار، انتزاع جائزة خاصة، تعرف باسم"جائزة السلام"، في مهرجان"بودروم"الدولي في تركيا بعد أقل من شهر على تحقيقه الجائزة الأولى في مهرجان"فيكا"في البرتغال .. وحول هذه الجوائز تقول نجار: ما يهمني هو أن الفيلم الذي يرصد المعاناة الإنسانية بسبب جدار الفصل العنصري، الذي لا يلتهم أرض الفلسطينيين فحسب، بل أحلامهم، وحكاياتهم الجميلة، استطاع أن يحقق حضوراً عالمياً، وهو حضور لمأساة الجدار نفسها .. هذه الجوائز، علاوة على كونها فنية بالدرجة الأولى، تتضمن اعترافاً ضمنياً بلا شرعية هذا الجدار، مع أنني أعتقد أن الجوائز التي تمنح للفنانين الفلسطينيين لم تعد تدرج مطلقاً ضمن بند"التعاطف السياسي"... الفيلم الفلسطيني قادر على المنافسة الفنية على المستوى العالمي، وأكبر دليل فيلم"الجنة الآن"لهاني أبو أسعد، ومن قبله"يد إلهية"لإيليا سليمان، و"عطش"لتوفيق أبو وائل. وشاركت أفلام فلسطينية عدة في المهرجان التركي، الذي يركِّز على"أفلام القضايا"، الوثائقية والروائية، ما نقل القضية الفلسطينية بعيون أصحابها، وبرؤية فنية منافسة إلى العالم بأكمله. والفيلم الذي لا يتجاوز العشرين دقيقة، وكتبت نجار حكايته والسيناريو الخاص به أيضاً، يتحدث عن"زياد"، وهو شاب فلسطيني يبيع الورد، وتربطه علاقة عشق بياسمين، التي تخطط أسرتها لتزويجها لشاب آخر، في حين يحول جدار الفصل العنصري دون تواصل العاشقين. والملفت في الفيلم، الذي صوِّر في أريحا، وفي بلدة أبو ديس، القريبة من القدس، والتي التهم الجدار الكثير من أراضيها، أنه، وعلى رغم الانتهاء منه قبل الانتخابات العامة الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، والتي أفرزت فوزاً كاسحاً لحركة حماس، فإنه يتنبأ برجوع الفلسطينيين إلى الدين، بسبب الظروف الصعبة التي يعيشونها، وبانكفائهم عن العالم، ودخولهم في عزلة، ربما اختاروها بأنفسهم، وحول ذلك تقول نجار: بسبب سوء الوضع السياسي الصعب، وبما في ذلك الجدار، يعود الناس إلى الدين .. هذا ما لمسته قبل الانتخابات، وعبر عنه الفيلم في شكل أو آخر، وهذا ما كان بعدها. وحول فكرة الفيلم، تقول نجار:"المشهد اليومي البشع لجدار الفصل العنصري، والذي يرافقني باستمرار، من شرفة منزلي، دفعني لأكتب حكاية ياسمين وزياد، اللذين يفرقهما الجدار. ويقول الكاتب والناقد زياد جيوسي: لقد تمكنت مخرجة الفيلم، من أن تعالج القضايا بإشارات ولمحات عبر تسلسل درامي في وقت قصير، ومع هذا فقد خلا الفيلم من الحشو اللامبرر، مكتفية بالإشارة من خلال الرمز المفهوم لكل فكرة. ويتابع: اختارت نجوى نجار مدينة أريحا للتصوير لجمالها وعراقتها التاريخية، كأقدم مدينة في العالم، مع أن أريحا لا يقسمها جدار الضم ولا يمزِّق سكانها على رغم حصارها من الاحتلال، من هنا كان الاختيار موفقاً فقد دمجت فكرة الجدار الذي ينمو كل يوم ويتمدد كغول أسطوري، أو أفعى ضخمة على أرضنا، مع جدار العادات والتقاليد، التي تستلب حقوق المرأة، والتعامل معها كشيء لا روح ولا إحساس فيه بحيث تفقد حريتها وخياراتها، بمجرد أن الأب أعطى كلمة، والأم لا تمتلك حولاً ولا قوة. كانت الإشارات للجدار واضحة خلال الفيلم من خلال العوائق التي برزت في شكل كتل إسمنتية يتسلل زياد، بطل الفيلم من خلالها، ولكنها في نهاية الفيلم تصور لنا الجدار مكتملاً شاهقاً يقسِّم الأرض، ويفصل بين المحبين، فليس إلاّ الصراخ في عالم يفصله جدار الإسمنت، وجدار العادات التي تجذرت في مجتمعنا". وسبق أن شاركت نجار، وعبر الفيلم نفسه في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي، وكان الفيلم الفلسطيني الوحيد في المهرجان، وحول ذلك تقول: كنت سعيدة جداً، فمهرجان برلين من أهم المهرجانات العالمية، وكون فيلمي هو الأول الذي يشارك فيه المهرجان، ويحقق حضوراً لافتاً، فهذا اعتراف عالمي بي. وقدمت نجار، سلسلة من الأفلام الوثائقية الناجحة، التي حققت حضوراً عالمياً، وانتزعت الجوائز في العديد من المهرجانات الدولية، ومن أهمها فيلم"نعيم ووديعة"، وحول ذلك تقول:"في أفلامي، كنت ولا زلت أبحث عن هويتي، ليس في"نعيم ووديعة"فقط، والذي يرصد حكاية جدي وجدتي في يافا، بل في جميع أفلامي، ففي فيلم"جوهر السلوان"، تحدثت عن تاريخ القدس وفلسطين، والاحتلال الثقافي الذي تعرضنا له، من خلال سينما الحمراء، خصوصاً في المفاصل التاريخية الحساسة، في رسالة بأن الحياة يجب ألا تتوقف، رغم المآسي، وفي فيلم"ولد اسمه محمد"، حاولت ملامسة تجربة اللجوء التي عاشها والديّ، من خلال صبي في الثانية عشرة من عمره، يهجر المدرسة، ليعمل، على رغم المحاولات اليائسة لذويه بإبعاده عن ذلك .. لم يكن السبب مادياً، بل نابع من إحساسه باليأس، وفي"ياسمين تغني"أتحدث عن"الجدار الذي يحفر عميقاً داخلنا .. لا يهمني طبيعة الفيلم أكانت وثائقية أم روائية، المهم أن أرى نفسي فيها".