اختتمت فعاليات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان تطوان لسينما دول البحر الأبيض المتوسط بتتويج الفيلم الايطالي «سونيطاول» لمخرجه سالفاتورو مرو بالجائزة الكبرى لمدينة تطوان، فيما حظي الفيلم الوثائقي «حديقة جاد» لمخرجه الفرنسي الشاب جورجي لازرفسكي بجائزة مماثلة. شهدت أروقة المهرجان المتوسطي وهي كثيرة هذه المرة، أسئلة من النوع الصعب وغالباً كانت تتردد من حول مصطلح السينما المتوسطية وما إذا كانت موجودة بالفعل. الإجابة بالطبع قد تكون أصعب، فدول البحر المتوسط كانت على تواصل دائم مع انتاج الأفلام وصناعتها، ولكن غياب المصطلح وعدم توضحه بالكامل هو ما يثير هذا النوع من الالتباس الذي وجدت فيه دول الحوض نفسها مُدغمة فيه. على أن ما فشل به سياسيو هذه الدول المتشاطئة عبر تاريخ التقائهم على أرضية المصالح المشتركة وتنافرهم على ذات الأرضية أيضاً قد يجد لدى سينمائييه الرغبة الفعلية في التطلع نحو صناعة أفلام تتجاذبها هموم مشتركة، هي هموم أهل هذه البقعة الجغرافية التي يمكنها النجاح بالانفتاح والقدرة على التواصل مع الآخر، وهذا مافرضته بعض الأفلام المشاركة من دول مشاطئة لبعضها البعض أكثر من أي وقت مضى. أفلام كثيرة عرضت ، وبعض الأفلام لم يعرض لعدم وصول النسخة المخصصة للعرض في الوقت المناسب. الفليم السوري «أيام الضجر» لمخرجه عبد اللطيف عبد الحميد، و «المر والرمان» للفلسطينية نجوى النجار، لم يتمكن جمهور المهرجان من مشاهدتهما، بالرغم من برمجتهما في المسابقة الرسمية، وقد أدّى هذا إلى بلبلة في البرنامج دفعت أحمد الحسني مدير المهرجان إلى الحديث عن استراتيجية أخرى في قبول الأفلام وبرمجتها للدورات القادمة بحيث لا يحدث هذا الإرباك الذي لم يكن ضرورياً في كل الأحوال. غياب الفيلمين لم يحول بالطبع دون أن تستمر المنافسة التي جاءت نتائجها مخيبة للفيلم العربي، وقد بقي منها ثلاثة أفلام في المسابقة الرسمية للفيلم الروائي الطويل «زمن الرفاق» للمغربي محمد الشريف الطريبق، «خلطة فوزية» للمصري مجدي أحمد علي، و «عيد ميلاد ليلى» للفلسطيني رشيد مشهراوي، فيما حصل الأول على جائزة الجمهور، والفلم لابن مدينة تطوان الطريبق يحكي قصة صعود المد الأصولي في الجامعات المغربية – جامعة المالك السعدي في تطوان – مطلع تسعينات القرن الماضي، والصدامات التي نشأت مع اتحاد طلاب المغرب الذي يسيطر عليه اليسار والشغيلة المغاربة، وكل ذلك بالطبع على خلفية «نمو وتصاعد» قصة حب بين سعيد الطالب اليساري الناشط بين الطلبة وراحيل الفتاة الجامعية. صمود غائب «عيد ميلاد ليلى» لرشيد مشهراوي جاء بدوره مخيباً للآمال، اذ لم يتمكن هذا الفيلم بالرغم من « تتويجه « بجوائز عدة في مهرجانات أخرى من أن يصمد أمام أفلام اخرى جاءت متجاوزة له فنياً وتقنياً وسرداً من نوع مختلف. الفيلم يلهث بصعوبة لأنه يشكل بطانة درامية لحياة أبي ليلى (محمد البكري)، ويريد أن يحكي في يوم واحد ما تعجز عنه دزينة أفلام، وذلك في أراضي السلطة الفلسطينية، وهو قد قصدها أصلاً مع «الوافدين الجدد»، وتحول إلى سائق تاكسي عمومي متخشب وتنقصه الليونة بعد أن كان قاضياً معتمداً في دول الشتات. ومشهراوي في ادارته لهذا الممثل فرض عليه تغييب أدوات التعبير التي تناسبه ما أدى إلى سقوطه في رطانة الممثل الذي يفتقد القدرة على الفعل على الأقل في عكسه للمشاعر التي غابت عنه بسبب من بلادة وتقطيع غير مجدٍ في سير الأحداث. يذكر «سونيطاول» الفيلم الايطالي الفائز بالجائزة الكبرى لمدينة تطوان للمخرج سالفاتوري مرو بالفيلم السوري «الفهد» للمخرج نبيل المالح مع فارق كبير في التقنيات وآلية السرد والتناول المشبع بشاعرية أخاذة والشخصية بطبيعة الحال، وهو يحكي قصة الطفل الراعي ابن ال 12 ربيعاً الذي يجد نفسه في مواجهة طبيعة قاسية ومتجبرة بعد أن زُجّ بأبيه في السجن لذنب لم يقترفه البتة. يعيش الطفل حياة قاسية وصعبة ويتعرض للإهانة في أكثر من موقع ما يدفع به للهرب إلى الجبال ليعيش حياة قاطعي الطرق بعد أن أخذ على نفسه عهداً بالتمرد على القوانين الجائرة المفروضة عليه ومن حوله. الفيلم المفاجأة جاء من الفرنسي الشاب جورجي لازرفسكي وقد صور فيلماً تسجيلياً في إحدى ضواحي مدينة القدس، وفي مأوى للعجزة الذين تقوم اسرائيل ببناء جدار عازل لتفصل بينهم وبين ذويهم ما يزيد من معاناتهم. جاد العجوز الفلسطيني المستخدم في المأوى ومن دون أن ينبس ببنت شفة يكشف، بإحراق سجائره على مرأى منا وشفها حتى آخر نفس، عن قدرة غربية على شف أرواحنا وكأنه يعذبنا بصمته ويقصد ادامة هذا العذاب بحرق مكنوناته. «حديقة جاد» فيلم لمخرج شاب ينبئ ب «طينة» مخرج كبير، يعرف أدواته جيداً، ويعرف كيف يعايش أبطاله ومصائرهم بطريقة فلاهرتي، أبو التسجيل والتوثيق، حتى تقدح شرارة الالهام، وفي فعله لازرفسكي تمكن من الوصل إلى هذه الشرارة ببساطة وفي فيلم يقول أشياء كثيرة عن أناس معذبين يزيد الجدار العنصري من معاناتهم ويطيل فيها، وهم يترقبون من ورائه ما لا يأتي أبداً. لا نعرف كم من الوقت قضى لازرفسكي بين أبطاله في المأوى وهو يتنقل بينهم بخفة ، ولكن من المؤكد أنه مخرج يعرف الكثير من أسرار صنعته ويعد بالكثير. «حديقة جاد» فيلم «محير» في نوعه، بالرغم من مشاركته في مسابقة الأفلام التسجيلية، اذ يمكنه من خلال جاد وسجائره الغامضة واللعب على المشاعر بطريقة مدهشة أن ينتسب ببساطة للفليم الروائي ليكسب. فيلم عن مأوى للعجزة حولته اسرائيل إلى مصح نفسي لمجموعة من الطاعنين في السن آن لهم أن يطيروا فوق الجدار العازل برشاقة عبر أحاديثهم، وهذا ما يفعله الثمانيني جاد من دون كلام وهو يطير فوق العش ويتمشى ويتبختر بين الجند الاسرائيليين العاطلين عن العمل.