"لعنة أسمهان" التي دار الحديث عنها في حوار سابق مع المخرج السوري نبيل المالح، فيما هو يستعد للإقلاع بمسلسل تلفزيوني عنها، بدأت تتحول تدريجاً الى"متاهة"من نوع فني جذاب لتلك النوعية من الصحف التي تتغذى من الفضائح. هذه الصحافة نفسها كانت تغذت بها واستثمرت على مدى العقود التي فصلتنا وتفصلنا الآن عن أسمهان، وحقيقة مصرعها الذي ارتبط بالكثير من الغموض المفتوح على وقائع ظلت تتداول بانتظام، وكان مصدرها على الدوام هذه النوعية التي رأت في أسمهان غانية من نوع خاص، كونها امتلكت موهبة استثنائية وعاشت في زمن استثنائي. لم يقل المالح سابقاً كلمة واحدة عن أسمهان كممثلة في عمله الدرامي، واكتفى بالحديث عن"اللعنة التي تلازمني وهي أن أسمهان غير موجودة في أي امرأة من حولي". بدا الأمر تذاكيا للوهلة الأولى، وأخذت الشائعات تدور من حول المخرج المالح، والمنتج فراس ابراهيم، ومعد القصة المخرج ممدوح الأطرش، وهو كما يبدو واضحاً أحد أعضاء أسرة الأميرة آمال الأطرش أسمهان، وقد استطاع في فترة سابقة تمتد الى خمس سنوات خلت من الحصول على حكم قضائي مبرم يجيز له انتاج مسلسل أو فيلم عن حياة الراحلة على رغم المعارضة القوية التي واجهته من قبل بقية آل الأطرش ومن بينهم كاميليا ابنة أسمهان نفسها. وقويت الاشاعات وتضخمت من حول هذا المسلسل، وكأن الأمر برمته بات خاضعاً لمنطق الاستثمار والمقايضات المالية بحق مسلسل قد لا يزيد في مجمله عن محاولة مقاربة عوالم أسمهان الاستثنائية بتعقيم جزء من سيرتها وتجفيف جزء آخر. فبعض المقربين من ممدوح الأطرش ممن اطلع على قصته الأصلية بصيغتها الأولى، وجد أشياء من هذا القبيل فيها، وهو الأمر الذي دفع بالمالح الى اعادة الكتابة والاستقصاء بحثاً عما يشفي الغليل. وهذا أثار حنق الأطرش ووصل الأمر به الى اتهام المالح بأنه لا يتعاطى مع أسمهان كأميرة. من المؤكد أن الكثير من تفاصيل الحياة العاصفة لأسمهان - وهي لم تكن صاحبة شخصية منبسطة، بل شخصية درامية بامتياز - ستظل أسيرة ذاكرة متهاونة يراد لها أن تظل مفقودة، وسيظل البحث عنها بمثابة دوران على رؤوس الأصابع في متاهة قد تمثل الأعماق الحقيقية لمغنية لم ترض يوماً بالقليل في أي درب سلكته، وهي أعماق شائكة وملغزة ومسورة بالأحاجي التي تغري فعلياً بعمل عن حياة غير ممتلئة ومنقوصة بكل المعاني. متاهة تتوسع وهكذا يبدو واضحاً ان المتاهة قد توسعت في كل الاتجاهات من قبل أن تدور الكاميرا. ففي البداية تردد في الأخبار أن الممثلة السورية صفاء رقماني هي التي ستؤدي الدور، وما لبث الخبر أن نسف إذ لم يجد أساساً له مع اتهام الأطرش للمالح بأن هذا الأخير لا يتعامل مع المغنية كأميرة. وأخذت تتردد شائعة جديدة مفادها أن الممثلة والمغنية اللبنانية كارول سماحة هي من ستؤدي الدور. ووافق البعض باعتبار أن سماحة صاحبة صوت جميل ومدرب، وبوسعها أن تقارب ساحرة مثل أسمهان اذا ما أرادت . ولم يصمد هذا النبأ كثيراً، ومع تعاظم الشكوك من حول قدرة المنتج فراس ابراهيم على الاستمرار بمغامرته - يشاع انه تكلف حتى اللحظة أكثر من خمسة ملايين ليرة سورية - للإقلاع بمسلسل لم يصور حتى الآن، وقد يودي بمستقبله الإنتاجي، خصوصاً وأنه لا يعد من الحيتان الكبيرة, لم يصمد خبر كارول سماحة كثيراً، ولم يعد يتردد الاسم في المتاهة التلفزيونية، ثم طالعنا خبر من نوع آخر، اذ وقع الاختيار على المغنية اللبنانية دينا حايك، التي تسرب اليها السيناريو من طريق مجهول، وتسرب معه خبر تعرضها للتهديد بالقتل من قبل مجهولين نصحوها بالابتعاد عن أداء الدور، ويقال ان حايك آثرت الصمت والابتعاد. وكما هي أسمهان في حياتها، يبدو أنها ستظل كذلك حتى في مماتها، فهي صاحبة لعنة من نوع خاص، أقله لجهة الإعلان عن مسلسل قد يتحقق تلفزيونياً وقد لا يتحقق. ولكن ما هو مؤكد أن ايقاع اللغة الذي فرض نفسه على مجمل سيرة أسمهان سيظل ينال من قامتها، في وقت تتطلب مقاربة، لشخصيتها الاشكالية نوعاً آخر، نوعاً لا يكتفي بالدهشة لما كتب عنها وفيها من فضائح مشغولة عن غير دراية ربما، أو هي غير مقصودة البتة، باعتبار أننا اعتدنا على مثل هذا النوع من الهجاء، ولم نسمح لأنفسنا بالنزول في أعماق الشخصية التي نقترب منها، ونحاول أن ننسى كل ما كتبه الآخرون باعتبار أن ذلك هو نوع من بصيرة عليا قد لا يطلبها التلفزيون لخصوصية تكمن فيه، وهذا ليس مثار نقاشنا على أي حال. أخبار مشجعة أخيراً. . . الآن تبدو بعض الأخبار التي تتسرب من حول أسمهان، ومن هنا وهناك مشجعة، اذ يشاع اليوم أن المخرج المالح قد أسند الدور بنفسه الى الممثلة الشابة نسرين طافش، وهي قد اشتهرت في أعمالها بإطلالات رومنسية حتى وان اقتربت من شخصيات فيها شيء من التاريخ البعيد، كما هو حال دورها الشهير في مسلسل ربيع قرطبة. ويتردد أيضاً أن نسرين تجاوزت عدداً من البروفات المطلوبة ماكياج، ملابس، وربما الغناء والموسيقى، فهي الى جانب التمثيل تجيد نسرين الغناء والعزف على البيانو. ويبقى كما يتردد اقناع الجهة المصرية الشريكة في الإنتاج، بتغيير الشرط القاضي بأن تكون أسمهان مصرية، لأن يكون هواها مصرياً كما هي حال النسخة الأصل التي كانت متوافرة في الأميرة السورية الراحلة آمال الأطرش أسمهان. في الأخبار المتعلقة بهذا العمل الاشكالي أن المخرج ممدوح الأطرش سيسافر الى مصر في غضون الأيام القليلة القادمة لإقناع الجهة المصرية بصاحبة الدور. فهل سينجح كما نجح من قبل في انتزاع قرار مبرم غير قابل للطعن من القضاء المدني السوري في سابقة من نوعها تجيز له انتاج مسلسه العتيد عن ابنة عمه التي سببت المشاكل له وأوقعت المالح بغرامها، وأدخلت الجميع في متاهة سميت باسمها وأشعلت حرباً بين ثلاث جهات أرادت انتاج مسلسل عنها في وقت واحد!