حينما سُئل الفنان أحمد قعبور عن سبب اهتمامه بأغاني الأطفال ومسرحهم، قال:"من يؤمن بالمستقبل، عليه أن يؤمن بالأطفال ويكون مبادراً إلى إغناء ثقافة الأطفال في المسرحية والأغنية والقصيدة، وأن يؤمن بقدرة الأطفال النقدية والجمالية... بعد أن أصبحت أباً اكتشفت، وأنا اغني لأولادي، ما كانت تغنيه لي أمي:"نام يا حبيبي نام لاذبحلك طير الحمام". وطرحت سؤالاً: هل من المنطقي أن نرتكب مجزرة بحق الحمام كي ينام الطفل؟". اليوم، حينما تسأل إحدى الحسناوات اللواتي طرقن باب الأغنية وأصبن آذاننا بحمى الصوت الرديء والكلمة المبتذلة، سيكون الجواب حتماً مختلفاً. فهؤلاء قدمن الأغاني الطفولية موجهة للكبار، لكن"التمويه"اقتضى أن تغلف بغلافها الطفولي، عرفن جيداً كيف تؤكل الكتف: نجومية أكيدة عبر مخاطبة جمهور جديد واستثماره اقتصادياً. بعد أن صعّدت النجمات معركة"التحرر"، ودفعن حدود الحياء إلى أقصاها، صوّبن أسهمهنّ على عالم الأطفال. البداية كانت مع ماريا التي أطلت علينا بكليب"إلعب"، بپ"شورتها"القصير وضفيرتيها الطفوليتين. ثم زادت"العيار"، ورفعت السقف أكثر... فتخلت عن البوظة، ودخلت صفّ المدرسة بتنورة قصيرة وأغوت أستاذها... وكرّت السبحة، فغنت هيفا"الواوا"وأقامت الدنيا ولم تقعدها. حتى في الكليب الذي يعرض حصرياً على قناة الحسناوات"ميلودي"، أدخلت هيفا الطفل إلى المرقص وعرفته على حياة اللهو الصاخبة في تلك العلب الليلية. وغنت دومينيك"واوا أح"، على رغم أنها فشلت في لفت انتباه الصغار قبل الكبار. وبعدها أطلت روزي وقدمت" نوسو بابا"، فيما جاءت مروى ببعض الأطفال لتفرض عليهم قصاص تحمّل صوتها ورقصها! أخيراً، جاء دور نيللي مقدسي. وها هي المغنية اللبنانية تتحفنا بكليب لأغنية"بس هس"، كتب كلماتها أحمد العاصي ولحنها فادي سعد. بحثت مقدسي عن انتشار أكبر، ولم تكتف فقط باستعارة بعض مفردات الأطفال أو استعارة بعض المشاهد من عالمهم الغني الواسع. بل اقتحمت مع المخرج سليم الترك مرة واحدة ذلك العالم، وسلبت منه قصة"ذات القبعة الحمراء"أو chaperon rouge، لتقدمها في نسخة مشوهة مملوءة بالإثارة والملابس الفاضحة. القصة الأصلية يوم قرر كاتبا القصة الأصلية، شارل بيرو وبرونو باتلهايم، حبكا نصيهما بطريقة تربوية، تهدف إلى إيصال رسائل، تدعو في شكلها الظاهري إلى إطاعة الوالدة، وتلّقن باطنياً دروساً في خطورة سفاح القربى والعلاقة السليمة مع الوالد. وها هي القصة تدرّس في كليات علم النفس حول العالم. منذ مدة قصيرة، قدمت هوليوود فيلماً كرتونياً عن القصة الشهيرة، صوّر الذئب على أنه الضحية. فقامت الدنيا ولم تقعد وشنّت وسائل الإعلام على الفيلم حملة شعواء. أما في عالمنا العربي، فهل يأتي من يحاكم المغنية اللبنانية، خصوصاً إذا كانت لا تعلم أن تلك القصص القصيرة تؤثر كثيراً في نفوس الصغار وتلعب دوراً أساسياً في تنظيم القوانين وتشريعها؟ "روتانا"ستبدأ بعد أيام عرض الكليب، والمشاهد سيصفق كثيراً لمقدسي. في عالمنا العربي، لا حسيب ولا رقيب، وجمهور يتهم من يعارض تلك الموجة بالرجعية!