من دواعي انبعاث الأمل في روسيا عزل المدعي العام التمييزي، أوستينوف، صاحب قضية"يوكوس"الذليل وخاتمها بسجن خودوركوفسكي، ومشاركة بوتين في مناقشات مؤتمر صحافي دولي بموسكو تناول، من غير مراوغة، مسألة حرية الصحافة في روسيا، وقرار شركة الطاقة"غازبروم"، الوثيقة الصلة بالسلطة، زيادة ثمن مبيعاتها من بيلوروسيا 60 في المئة، أي فوق الزيادة على أوكرانيا المتمردة. وهذا قرينة على برم بوتين بالوالي القراقوشي على مينسك، لوكاشينكو. وهذا كله سنونوة لا تصنع ربيعاً. ولكنه قرينة ربما على انحسار استفزازات روسيا التي تكاثرت في الاشهر الاخيرة. ولعل الأسواق المالية، في عالم لم يعد العالم الذي حاط بستالين، اسهمت في الانحسار هذا. فهي ذكرت موسكو بأن قضية"يوكوس"لم تطوَ بعد، وانها خلفت آثاراً قد تطول مفاعيلها سنوات آتية كثيرة. وعلى رغم اختيار المجموعة المالية العالمية غولدمان ساكس المصرف الألماني "دويتشه بنك" وسيطاً بين شركات روسية كبيرة وبين المستثمرين الغربيين، في سبيل زيادة رأس مال الشركات هذه، أهمل المستثمرون الغربيون العروض الروسية، وحملوا الشركات على إطراح 30 في المئة من رأس مالها الاسمي المقدر. وليس السبب في الاجراء هذا، على الارجح، عزلة روسيا المالية. فهو شاهد على خلاف روسي قديم يرقى الى ثلاثة قرون، ويجتاز التاريخ الروسي من بداياته الى حاضره. فعلى جبهة أولى، تيار متسلط يزعم الدفاع عن تقاليد قومية، ويرفض الاقتداء بالغرب. ويجمع التيار هذا، اليوم، معاً المسيحيين الارثوذكسيين والأصوليين، والقوميين الروس الانعزاليين، ومن يشدهم الحنين الى"القبضة الفولاذية". وخلاصة سياستهم الخارجية قوامها السعي في التقاء مصالح روسياوالصين وبعض الدول الاسلامية، في نقابة متذمرين ومتضررين تناهض، معاً، العولمة وتوسع الحريات السياسية. وكان بدا ان حلف رئيس شركة روسفنت، سيتشين، ومصرفي الكنيسة الارثوذكسية، بوغاتشيف، ورئيس مجلس النواب الدوما، ميرونوف، والمدعي العام، اوستينوف قبل عزله، انتصر في حربه. وآخر افكارهم بإنشاء حلف نقيض لحلف الأطلسي الناتو حول مجموعة شنغهاي، وعمادها روسياوالصين، على ان يستقبل الحلف النقيض ايران، وربما"حماس"ويرد الصاع صاعين لبني عمومة خودوركوفسكي ورئيس الحكومة فرادكوف. ونظير هذه القوى، وقبالتها، تيار غربي الميل والهوى، أعرض ما يظن، حريص على تثبيت مكاسب غورباتشوف ويلتسين الليبرالية. ولا يرضخ هذا التيار في مسائل اساسية مثل إحياء وحدة قوية مع أوكرانيا وجورجيا وقازاخستان. وهو يؤثر الرد على الأميركيين الساعين في تجديد الحرب الباردة بالتقرب من أوروبا والواقعيين الاميركيين. ويعد هذا التيار الفريق الاقتصادي كله، ويتصدره وزير المالية اللامع ألكسي كودرين، وأمين عام الكرملين، ميدفيديف، وملهم الفريق الفكري لا يزال أناتولي تشوباييس، والحليف الجديد وزير الدفاع سيرغي ايفانوف. وهذا، على رغم مقومه جهاز الأمن السابق، الكي جي بي، نصير قوي للسلطة المدنية وغير القومي. وجنرال الأمن الشاب، ديمتري كوزاك الذي استعاده بوتين من ولايته القوقازية، وولاه منصب المدعي العام التمييزي خلفاً لاوستينوف، وهو في عداد الفريق نفسه. ويريد بوتين ان يجلو نفسه خليفة ليوري اندروبوف الذي خلف بريجينيف، وتعهد غورباتشوف واستخلفه عملياً، وكان ولي أمر الكي جي بي. والحق ان اندروبوف لم ينفك يناوئ الستالينية، والشوفينية القومية ومناهضي الغرب، ويرعى امثاله في دول شرق أوروبا الشيوعية. وانتصب قبالته اصحاب الاحلام الجوفاء والاستفزازات الفظة من امثال شيليبين وسولداتوف، راعي الحلف السوري ومدبر اغتيال ألدو مورو والعملية التي كادت تودي بيوحنا بولس الثاني. وعلى هذا، على بوتين اختيار خط اندروبوف من غير تردد، والتحفظ عن التحالف مع الصين، وايران الحالية. فمستقبل روسيا مكتوب بأحرف ظاهرة في ماضيها الغربي ووصية اندروبوف. عن ألكسندر أدلر،"لوفيغارو"الفرنسية، 8/6/2006