أو "التحكم عن بعد" ، جهاز صغير بحجم قبضة اليد، يضغط المشاهد، بلا عناء، على أزراره، فينتقل بين فضائيات العالم بسهولة، ويستقصي"الأقمار"البعيدة والقريبة، باحثاً عما يشبع فضوله، ومزاجه، وعما يتناسب ومستوى ثقافته، وطبيعة تفكيره، ولم يعد في وسع المشاهد أن يتابع الفضائيات إلا وهذا الجهاز السحري بين أنامله، وإذا ما تعطل الجهاز يوماً فسيكون من الصعب متابعة البرامج. أمام الخيارات الواسعة بلا ضفاف، التي تتيحها الفضائيات الكثيرة أصبح لهذا الجهاز دور جوهري في عادات المشاهدة، فصبر المتلقي ينفذ بسرعة، وكي لا يمتحن نفسه في اختبار كهذا يضغط كبسة زر فتتغير المحطات إلى أن تستقر على ما يلائمه، وأكاد أقول، هنا، إن القائمين على الفضائيات ربما تراودهم أمنية تتمثل في أن من اخترع جهاز التلفزيون حبذا لو لم يخترع ال"ريموت كونترول"، فالمفارقة أن الفضائيات تسعى إلى إنتاج برامج جذابة، ومحببة بقصد جذب المعلن، فضلاً عن الجمهور، إلى المحطة، وحين يبث الإعلان، بالضبط، يكون الجهاز الصغير له بالمرصاد، وهذا ما يفسد فرحة المرسل والمعلن معاً، بينما يتجول المشاهد فرحاً بين غابات الصور. من الصعوبة بمكان أن تستطيع أية فضائية كسب الجمهور كله، طوال الوقت، فوظيفة الجهاز الصغير تكمن في مسايرة"طيور الفضول"لدى المشاهد حتى تحط على"أغصان فضائية"معينة، وإذا كانت فضائيات قليلة قد أثبتت حضوراً ورواجاً، فإن فضائيات كثيرة مهمشة وغير معروفة، فمن بين حوالي مئتي فضائية عربية لا يكاد يتابع المشاهد العربي سوى عشرة في المئة، ذلك أن الجهاز الصغير يحدد الخيارات بسرعة مذهلة، ولو طلبنا من هؤلاء المشاهدين تعداد أسماء فضائيات عربية، فإن ذاكرته لن تسعفه في ذكر اكثر من عشر محطات. ومثلما أن هذا الجهاز هو سلاح في يد المشاهد يمنحه سطوة صورية واسعة، له سيئاته أيضاً، إذ يسهم في صنع مونتاج بصري تتداخل فيه الأخبار بالأغاني، والشعر بالإعلانات، والموسيقى بأزيز الرصاص، والتراجيدي بالكوميدي، والطبيعة الجميلة بالعنف الدموي، وتختلط وجوه الممثلين والمذيعين والسياسيين واللصوص والمثقفين، والمجرمين، والعشاق... في لوحة فضائية متشعبة الخطوط والألوان والإيقاعات... يعجز الذهن عن قراءتها. وكثيراً ما يحدث، أن أحدهم يتابع فيلماً، ثم ينتقل إلى محطة أخرى ليجد بطل الفيلم السابق في الفيلم الجديد، فيتابعه ناسياً أنه قد غير المحطة للتو. سيناريوات كثيرة يكتبها المشاهد في ذهنه، وهو يقرأ بعيون الپ"ريموت كونترول"صور جهازه المفضل: التلفزيون. ما ينبغي أن يلتفت إليه القائمون على الفضائيات هو أن التلفزيون وسيلة بصرية أولاً وأخيراً، وعليهم أن يضعوا دائماً في اعتبارهم أن ثمة"جهازاً صغيراً"يتهدد مادتهم التي يجب أن تتمتع بصفات ومزايا قادرة على إرضاء رغبة المشاهد المتطلب، وخلاف ذلك فإن الغلبة ستكون لذلك الجهاز الصغير الذي سيبقى يوهم المشاهد بأن ثمة مادة أجمل في فضائية مختلفة، وبأن"القمر"التالي سيكون أكثر ضياء، ومتعة!