الكذب، الخداع، الغش والتزوير"استراتيجية"مشروعة كلما ارادت واشنطن"التخلص من ديكتاتور"في العالم؟... المكيافيللية هل تجوز باسم الحرية والعدل، بل أخطر من ذلك بكثير: إشعال حرب في منطقة تختزن العصب النفطي لشرايين الاقتصاد العالمي، والتعامي عن الارتدادات الرهيبة التي سيتكفل بها"الاستشهاديون". إشعال حرب باسم أمن العالم وإسرائيل، وتناسي دروس العراق. لكن ايران ليست العراق. العبارة الأولى"تحوير"واقعي للسان حال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الذي تؤرقه"الفوضى الكاملة"في الشرق الأوسط، لذلك ينصح الولاياتالمتحدة بألا تصب الزيت على نارها، وبألا تستعجل في قراراتها، فتكرر"خطأ"غزو العراق والذي استند الى أكاذيب وأباطيل لتبرير شرعيته الضائعة... وتكرر الخطأ الذي ارتكبته في دفع كوريا الشمالية الى أقصى التصلب، الى حد لا يستتبع سوى الرضوخ لهذا التصلب بعد تهديد ووعيد المكيالان يصبحان ثلاثة مع اسرائيل وإيران، أو المخاطرة بالحرب والضربات النووية. مجدداً، تستتبع هذه الخيارات البحث عن الدافع الأول - المعلن - لدى إدارة الرئيس جورج بوش، في جبه"اخطار تهدد أمن العالم"، ما دامت النتائج معروفة لأي خيار عسكري للعلاج على طريقة الكي. فلا سعي دول الى امتلاك الطاقة وكسر احتكار نادي الكبار، سيتوقف، بدليل ما حصل منذ تدمير اسرائيل مفاعل تموز العراقي... ولا العالم سيصبح أكثر أمناً مع هيمنة نزعات الانتقام، وتلبسها لبوساً شعبوياً أو دينياً احياناً. البرادعي، احد فرسان نوبل للسلام، لم يكن يتحدث في سان فرانسيسكو للتكفير عن"خطيئة"ارتكبها أو تعتقد طهران ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ارتكبتها، حين رضخت للضغوط الأميركية الهائلة، فأحالت الملف النووي على مجلس الأمن، من دون تقدير لطبيعة تداعيات هذه الخطوة التي فتحت باب التصعيد على كل الاحتمالات، بما فيها الخيارات الإيرانية للثأر من عقوبات دولية محتملة، أو حتى الرد على السيناريو العسكري. البرادعي كان ينصح الأميركيين، من دون تقديم تبرير لتلكؤه الذي يدينه اقتناعه بأن المنشآت النووية الإيرانية لا تشكل خطراً وشيكاً. مع ذلك، فالإنصاف أو بعضه، يقتضي ملاحظة عدم اقتداء المدير العام بخطى رئيس"اونسكوم"هانز بليكس الذي أجاد فأفاض في تبرئة ذمته من"خطأ"غزو العراق، حتى أغرق العالم بفيض طيبته، بعدما تمسك طويلاً ب"لا براءة لصدام... ولكن"جيّرها الأميركيون لمشروع الحرب. والسؤال كان امس هل هو مفاجأة، تزامن نصيحة المدير العام لإدارة بوش بتحضيرها أوراق الوفد المفاوض للإيرانيين الذي سيقوده نيقولاس بيرنز، بعد إنجاز مشروع الصفقة المتكاملة بالعصا والجزرة في فيينا اليوم؟ وهل مجرد مصادفة مع إعلان ايران استعدادها لإحياء المفاوضات مع"الترويكا"الأوروبية، من دون أي شرط، ان يبشِّر مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا - غير المعروف بلغة المبالغات أو التهور - ب"القوة الصاعدة"الإيرانية، اقليمياً ودولياً؟ هو يبشِّر العرب أولاً ومنطقة الخليج تحديداً، بأن لجمهورية خامنئي - نجاد دوراً مميزاً ستؤديه، فاستعدوا! بديهي أن لا أحد يتوقع عناقاً قريباً بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الآتية الى النمسا لتمهر مشروع الصفقة مع طهران برضا البيت الأبيض، وبين زميلها الوزير منوشهر متقي، او حتى الرئيس محمود احمدي نجاد الذي شجعه المرشد علي خامنئي على كسر الجدار النفسي مع"العدو"الأميركي، بالرسالة الشهيرة، لأن لا حاجة لأي وسيط يعمل لحسابه لا لحساب الجمهورية الإسلامية!... الرسالة كانت علامة التحول الكبير، وسط ضجيج التهديدات وعرض مواكب الاستشهاديين في ايران، والحوار بالكاد بدأ. ما يقوله سولانا ان خامنئي سيكسب في النهاية، أما الذين ينصحون بالتروي، لأن بوش لن يتخلى عن سيف العقوبات، مهما كانت نيات طهران، فيتحدثون عن مرحلة ديبلوماسية رايس التي ستدير الحوار مع الإيرانيين حول طاولة الدول الست الكبرى. بعدها، تتمنى طهران - ولن تمانع واشنطن - حواراً ثنائياً موازياً بين القوة العظمى في العالم والقوة"العظمى"في الخليج، فمن يكسب في المنطقة، في صراع المصالح؟ أي ميزان إقليمي إذا حل شهر العسل بين اللدودين؟