موسكو: لا قرار نهائياً حول مصير القواعد في سورية    كشف وضبط مؤسسة لاستيراد النحل تمتهن تهريب المخدرات إلى السعودية    الهيئة السعودية للسياحة والهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات توقعان مذكرة تعاون    ضحاياها 70 قتيلاً.. مجزرة إسرائيلية في غزة    "هيئة الاتصالات" تعقد ورشة عمل حول "الاتزان الرقمي" بالتعاون مع "إثراء"    لأول مرة في الشرق الأوسط..عملية قلب بالمنظار الثلاثي    القيادة تهنئ ملك مملكة البحرين بذكرى اليوم الوطني لبلاده    جمعية وسم تنظف سد عقدة بحائل    «الإحصاء»: 66.1% من الولادات في المستشفيات الحكومية و32% في الخاصة عام 2024    (No title)    دارة الملك عبدالعزيز تطلق مختبر التاريخ الوطني    السعوديةالأولى بالعالم بنيلها أكبر عدد من ميداليات مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب من بين 129 دولة    الطقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    لمسة وفاء.. الدكتور طامي بن هديف البقمي    المملكة تدين قرار حكومة الاحتلال بتوسع الاستيطان في الجولان    استضافة المملكة لكأس العالم تعزز فرص الاستثمار الرياضي    مقتل ثلاثة مدنيين في هجوم غرب السودان    سورية والدعم العربي    سعود بن بندر يستعرض إنجازات توعية الجاليات بالأحساء    أمير الرياض يسلم الوحدات السكنية للمستفيدين    ل«الدوري والكأس»«وديتا» الخليج والنصر تجهزان النمور    10 مليارات لإنشاء 18 منطقة لوجستية في الموانئ.. وزير النقل: إضافة 30 خطاً بحرياً للشحن    تأهيل 850 باحثاً عن عمل في السياحة والضيافة    فيصل بن خالد يرأس اجتماع المجلس المحلي في رفحاء    أمير جازان يرعى انطلاق ملتقى جمعيات التوحد    «هيئة الشورى» تعقد اجتماعها السادس    اختبارات منتصف الفصل الثاني الأحد القادم    "الأرصاد": موجة باردة وتكون الصقيع في الرياض    عبدالله العلي النعيم في ذمة الله    جلوي بن عبدالعزيز يكرّم مدير شرطة المنطقة السابق    محافظ الخرج يستقبل رئيس سفراء التراث    «الجوازات» تستعرض مراحل التطور    توقف العمل في مصفاة نفط رئيسية في ليبيا جراء اشتباكات    3 أطعمة تُبطئ نمو سرطان البروستاتا    5 أسباب رئيسية وراء برودة القدمين    منصات الخدمات    «يوتيوب» ترفع أسعار اشتراكات خدمة البث    السعودية هكذا.. لا تقنع بما دون النجوم    الأخضر يواصل تحضيراته لخليجي 26    أخضر المبارزة يتوج ببرونزية كأس العالم    احتفالات ثقافية    معرض جدة للكتاب يعود    «نور الرياض» يحصد لقبين عالميين من «غينيس»    الأهلي يطرح تذاكر مواجهة الشباب    "النصر لله" تهدي مربط أجمل كأس بوابة الدرعية    في افتتاح الجولة ال 14 من دوري" يلو".. نيوم وجدة في أقوى اللقاءات… والطائي يواجه العربي    دواء جديد لإبطاء تطور العمى الوراثي    القطاع الصحي العام والخاص والخدمات الافتراضية    #كيف_نستثمر_أحلام_النوم    الأمير سلمان بن سلطان.. عام من الإنجازات والعطاء    أنواع نادرة    نقل حي لكاميرات المراقبة    السعودية تستنكر توسع إسرائيل في الاستيطان بالجولان المحتلة    هل أنت منهم؟    اليوم الدولي لمكافحة الفساد    محفظة وقفية لجمعية بنيان للخدمات الاجتماعية    الدحض    المملكة تسهل إجراءات العمرة.. والهدف 30 مليون معتمر من الخارج سنوياً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة الروح إلى القاهرة القديمة ... مشروع طموح لترميم آثارها ونسيجها العمراني
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 2006

تعتبر القاهرة من أجمل مدن العالم بتنوع الزخم المعماري الموجود بها، فهي تحتوي على نسيج عمراني يضم تراثاً يعود إلى أحقاب تاريخية متعاقبة بدءاً من العصر الفرعوني في عين شمس وانتهاء بالعصر الحديث في قاهرة الخديو اسماعيل. ووسط هذا الزخم تبرز قاهرة الفاطميين بامتدادتها كأكبر مدن العالم الإسلامي بتراثها الذي يعده الخبراء متحفاً مفتوحاً لفنون العمارة الإسلامية وشاهداً حياً على إبداع المعماري المصري.
بدأت العاصمة المصرية في السنوات الأخيرة تكتسب أهمية متزايدة في ظل اهتمام المجلس الأعلى المصري للآثار ومحافظة القاهرة بإعادة الروح والحياة إلى المدينة القديمة بعد خمسين عاماً من الإهمال والصمت عن مواجهة مشاكل هذه المدينة العريقة التي يعد تراثها ثروة للانسانية. وتدخل الرئيس المصري محمد حسني مبارك لدفع مشروع القاهرة التاريخية، فشكل لجنة برئاسته ضمت كل المسؤولين.
واتخذت هذه اللجنة عدداً من القرارات الأساسية، منها أن تتولى الوزارات والهيئات اخلاء جميع اشغالاتها على المناطق الأثرية المسجلة وعددها 105 اشغالات، على ان يطبق ذلك وفقاً لجدول زمني يحدده مجلس الوزراء. ووضعت خطة لاخلاء الإشغالات السكنية على المباني الأثرية وعددها 274 وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة والمقدرة بحوالي 242 مليون جنيه مصري لترميم 146 أثراً على مراحل، تشمل الأولى 43 أثراً فى مناطق الجمالية والغورية والأزهر والدرب الأحمر والصليبة وابن طولون. وقد بدأت هذه المرحلة بالفعل، مع التأكيد على أن المجلس الأعلى للآثار هو المرجع الرئيسي لمتابعة الاشراف على أعمال الترميم كافة بغض النظر عن الجهة أو الوزارة التي تتولى التمويل أو التنفيذ.
تدشين المشروع
وانطلق مشروع ترميم آثار القاهرة بعد ذلك لتتابع كل وزارة مهمات محددة. فمحافظة القاهرة تتولى تحسين المرافق وإزالة التعديات والتنسيق بين اداراتها في ما يتعلق بالمشروع، أما وزارة الاسكان فاقترحت انشاء نفقين للسيارات في شارع الأزهر لتحويل حركة المرور وبالتالى إغلاق منطقة الأزهر أمام حركة المرور وتحويلها إلى ساحات للمشاة. وتولت وزارة الثقافة ترميم الآثار وتنسيق المواقع الأثرية.
كان أول المشاريع المطروحة للتنفيذ مشروع نفقي السيارات أسفل شارع الأزهر بتكلفة مليار جنيه مصري، وهو أتاح للمرة الأولى تحويل الساحة بين الجامع الأزهر ومسجد الحسين إلى ساحة للمشاة تؤمن لزوارها رؤية الآثار وتأملها من دون ازعاج. فالساحة تضم عدداً من الآثار النادرة، منها وكالة الغوري المستخدمة كمركز للحرف التقليدية التي اشتهرت بها القاهرة مثل الخيامية والمشربيات والصدف وطرق النحاس، ومسجد محمد بك أبو الذهب وخان الزراكشة والجامع الأزهر. كما سجل المجلس الأعلى للآثار بناية مشيخة الأزهر المشيدة سنة 1934 على الطراز الإسلامى فى عداد الآثار لاستغلالها كمتحف لتراث القاهرة، وتتوسط هذه البناية ميدان الأزهر وتعد معلماً بارزاً من معالم المدينة.
إدارة مستقلة
أعدت وزارة الثقافة المصرية مخططاً طموحاً لتنفيذ الشق الخاص بها في مشروع تطوير القاهرة، فكانت أولى الخطوات إقامة ادارة مستقلة عن المجلس الأعلى للآثار لتفادي العراقيل الادارية. وكان أول عمل لها تحديث خريطة الآثار الاسلامية للقاهرة التاريخية باستخدام أحدث نظم المعلومات الجغرافية مع توثيق آثار المدينة وإعداد قاعدة بيانات عنها وحصر الإشغالات والتعديات الواقعة على الآثار. وأدى هذا إلى اكتشاف 48 منشأة أثرية غير مسجلة بعضها يعود إلى العصر المملوكي كحمام قلاوون وواجهة وكالة الغوري في خان الخليلي، وبعضها من العصر العثماني مثل سبيل خان جعفر وسبيل ابراهيم آغا مستحفظان. وقد أدرجت هذه الآثار جميعاً في سجل الآثار.
وضعت ادارة مشروع ترميم القاهرة أسساً علمية لترميم أي أثر تتبع كذلك في كل الآثار، فيتم في هذا الاطار الرفع المساحي للموقع العام مع ربط المناسيب المحيطة بالموقع على المبانى الأثرية، ورصد ميل الأعمدة والحوائط وكافة العناصر الإنشائية للأثر، واعداد جميع المساقط الأفقية والرأسية ورفع كافة التفاصيل المعمارية والزخرفية لكل العناصر المعمارية للأثر، ودراسة خواص وميكانيكا التربة واقتراح أنسب الحلول لتدعيم الأساسات، ودراسة حركة المياه الجوفية وانعكاساتها على الأثر، ودراسة وتحليل مواد بناء الأثر، وتوصيف المواد المستخدمة في المباني الأثرية في القاهرة مع إعداد توثيق فوتوغرافي لجميع واجهات الأثر المختلفة، وإعداد برنامج لأعمال الترميم الدقيق المتعلقة بالزخارف والعناصر المعمارية.
ويتم هذا كله قبل البدء في أعمال الترميم، ويصاحب ذلك قراءة متأنية لوثيقة الأثر العائدة لعصر الانشاء والتي تحدد طبيعة الأثر ومكوناته عند تشييده. وفي ضوء وثيقة كل أثر يجري العمل على إعادة الأثر إلى حالته الأصلية. ثم بعد ذلك تبدأ عملية الترميم وفق كراسة حددت فيها المشاكل الموجودة في الأثر وطرق حلها، وكذلك المدة الزمنية المقترحة للتنفيذ، والمواد المصرح باستخدامها في الترميم، وجدول للكميات والمواصفات.
وعلى جانب آخر يجري حالياً العمل على ترميم 90 أثراً في القاهرة التاريخية بعضها يرمم طبقاً للجدول الزمني لمشروع القاهرة التاريخية، وبعضها الآخر تم الانتهاء من ترميمه. ومن الآثار المرممة مسجد الغوري الذي أعطى منطقة الغورية اسمها، وشمل مشروعه تدعيم أساساته وتثبيت مئذنته وتطوير الشارع الموازي له. كما انتهت بعثة ألمانية مصرية مشتركة من ترميم حوض السلطان قايتباي بالأزهر وهو منشأة خيرية شيدها السلطان لكي تشرب منها الدواب، ومنزل جمال الذهبي شيخ بندر تجار مصر في العصر العثماني وهو من الروائع المعمارية اذ يضم قاعات وحجرات، وزخارفه ذات تنوع ملفت للنظر، وسبيل نفيسة البيضا الذي رممه مركز البحوث الأميركي بالقاهرة، وباب زويلة وهو شعار مدينة القاهرة وقد رممه مركز البحوث الأميركي وهو احد أبواب القاهرة الفاطمية.
أما أبرز الآثار التي يجري ترميمها حالياً فهي مدرسة الصالح نجم الدين أيوب وهي الأولى التي شيدت في مصر لتدريس المذاهب الأربعة، ومجموعة السلطان قلاوون المعمارية، وتضم بيمارستاناً لعلاج المرضى مجاناً وكانت في الوقت نفسه مدرسة لتعليم الأطباء وأبرز من عملوا فيها ابن النفيس الطبيب المسلم المشهور الذي اكتشف الدورة الدموية، ومسجد أحمد بن طولون أكبر مساجد مصر الأثرية ويقع بحي السيدة زينب وقد أولاه حكام مصر عناية خاصة في العصرين الفاطمي والمملوكي، ومسجد المؤيد شيخ وهو من أجمل مساجد القاهرة المملوكية.
الهجرة المعاكسة
وضعت وزارة الثقافة المصرية استراتيجية خاصة بهذا المشروع تقوم على اعتبار أن القاهرة تتكون من حلقات عمرانية متتالية في السلسلة الحضارية المصرية، يتحقق تطويرها وتنميتها من خلال ايجاد خطاب حضاري ذاتي معاصر في ثلاثة محاور: محور المركز الثقافي القومي دار الأوبرا، ومحور المتحف المصري الجديد، ومحور القاهرة التاريخية.
وعدت"الهجرة المعاكسة"مدخلاً رئيسياً لتنمية القاهرة التاريخية وتطويرها، ويقصد بذلك توطين فاعليات ثقافية ترتبط بالإرث الحضاري للمجتمع وتتحدد في الأنشطة الثقافية الدائمة فى نقاط ومحاور الجذب على امتداد عصبها الحيوي. وتركز استراتيجية الوزارة على الأنشطة الثقافية الموسمية والاحتفالية المتوائمة مع المكان وتاريخه. وتبدأ الهجرة المعاكسة باحياء الطاقة الكامنة في المكان والبشر انطلاقاً من الأنشطة الثقافية الموجودة بالفعل في المنطقة، وتنقسم بشكل عام إلى قسمين:
أولاً، أنشطة دائمة تعمل على مدار العام منها على سبيل المثال: المراكز المتحفية التراثية والفنية وقصور الثقافة والمكتبات ومراكز الفنون الشعبية، ومراكز الحرف التقليدية والمراكز التجارية المتخصصة.
ثانياً، الأنشطة الثقافية الموسمية والاحتفالية مثل الموالد والمناسبات الدينية الموسمية، والمهرجانات المحلية والدولية المتخصصة حول التراث والفنون الشعبية، والمؤتمرات العلمية المتخصصة.
ومن المقرر أن يجري توطين تلك الفاعليات على مسارين متوازيين:
المسار الأول: التخطيط الشامل للمنطقة التي تبدأ من باب الفتوح في سور القاهرة الشمالي وتمتد جنوباً حتى مدرسة السلطان حسن وجامع أحمد بن طولون. ويشمل هذا المشروع خدمات البنية الأساسية كلها وإعادة تنسيق الموقع بما يتلاءم مع الدور الجديد للمنطقة.
المسار الثاني: اختيار نقطة البداية عند التقاء شارع المعز لدين الله مع ميدان الأزهر ومجاله ويضم مجموعة الغوري ومسجد أبو الذهب ومنزل جمال الدين الذهبي وبيت الهراوي وبيت زينب خاتون.
سيمثل مشروع القاهرة التاريخية عند الانتهاء منه نقله نوعية للمدينة القديمة اذ ستصبح قلب القاهرة الثقافي والحضاري والتراثي والسياحي، وستعود الروح إلى المدينة القديمة للمرة الأولى منذ أن شيد الخديو اسماعيل القاهرة الجديدة التي كانت تعرف آنذاك بالاسماعيلية وباتت تعرف الآن بوسط البلد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.