بدأ مركز معلومات القاهرة التاريخي التابع لوزارة الثقافة المصرية اخيراً الاجراءات الخاصة بتسجيل 48 اثراً اسلامياً، تتنوع بين منشآت دينية ومدنية وتجارية وتعود الى عصور عدة ابتداء من العهد المملوكي وحتى فترة حكم اسرة محمد علي. وتتركز تلك الآثار في القاهرة الفاطمية، وهي اكثر المناطق الأثرية الاسلامية شهرة في مصر. ويثير تسجيل هذا الكم من الآثار تساؤلات عدة حول هذا الاجراء وتوقيته وفي مقدمها: هل كان المجلس الاعلى المصري للآثار يتجاهل تلك الآثار ام انه لم يكن يعلم عنها شيئا؟ تعود قضية هذه الآثار الى الفترة التي تلت قيام ثورة 1952، حين سيطرت الاجهزة الحكومية على قطاع الآثار الاسلامية، وأسكنت الكثير من أسر الاحياء الشعبية في عدد كبير من تلك المباني باعتبار ان ذلك هو الحل الاسهل لمشكلة الاسكان. اما الآثار الفرعونية فلقيت رعاية خاصة، لأهميتها الدولية، ولرعاية الدول الاجنبية لها. حدث ذلك عند اعلان مشروع انقاذ آثار النوبة في جنوب مصر، فقد انقذت المعابد الفرعونية، واجريت حفائر اثرية في التلال الفرعونية على نفقة الدول الاوروبية والولايات المتحدة. بينما غرقت مئذنتا الشلالين الأول والثاني، وهما اقدم مئذنتين كانتا باقيتين في مصر، وكانتا من طراز اسطواني نادر لا يوجد مثيل له إلا في آسيا الوسطى. وكذلك غرقت مدن اسلامية عدة في النوبة، وتحولت مدن اخرى الى تلال بمرور الوقت من دون ان يكشف عنها. ولعل تجسد هذه المأساة ما زال شاخصاً الى اليوم للعيان في حي باب الوزير وسوق السلاح في القاهرة متمثلاً في بناء مساكن شعبية في مواقع اثرية اهمها مدرسة سودون، ولم يعد باقياً من هذه المدرسة - المسجد سوى حائط القبلة على رغم انها كانت تعد من اعظم المنشآت المملوكية في القاهرة. وفي شارع باب الوزير تم هدم منازل وقف ابراهيم آغا مستعفظان لتبنى في موقعها مجموعة من البنايات السكنية الشعبية. وهنا نكشف عن عدم وجود وعي لدى الدولة بأهمية هذا التراث. ووصل الأمر الى حد محاولة هدم مسجد احمد بن طولون لتبنى موقعه بنايات سكنية. وهذا المسجد يعد من اكبر واقدم المساجد الاثرية في مصر. غير ان رئيس هيئة الآثار المصرية آنذاك استقال احتجاجاً ما دفع المسؤولين الى التراجع عن هدم المسجد، والذي أصبح الآن من أشهر المزارات السياحية الاسلامية في البلاد. من جهة اخرى، اخرجت الدولة من قوائم الآثار عدداً منها لكي يتسنى لهيئة الأوقاف بيعها بأثمان رخيصة لاستغلالها أو هدمها وبناء بنايات حديثة في مواقعها. وهذا ما حدث في ربع ابراهيم آغا في باب الوزير، اي باعته وزارة الاوقاف بعد اخراجه، وهدمت اجزاء منه، وقامت في الموقع بنايات حديثة. وفي رشيد أُخرجت وكالة الباشا العثمانية، اكبر الوكالات التجارية، من قائمة الاثار ليشيد في موقعها حي سكني كبير. وعندما واجهت الحكومة منذ سنوات مشاكل الهجرات المتزايدة من الريف الى القاهرة، كان الحل الاسهل اسكان هذه الاسر في الآثار الاسلامية، وهو ما ادى الى تزايد إضرار هؤلاء بالآثار مع مرور الوقت. وبلغ عدد الاسر التي كانت تسكن منزل "قايتباي" اربعين اسرة على سبيل المثال. غير ان اجراءات اتخذت من قبل المجلس الاعلى المصري للآثار، خلال السنوات الخمس الماضية، أدت الى اخلاء تسعين في المئة من هذه الاثار من شاغليها. ولكن ما الذي دفع الى إحياء قضية الآثار المنسية في القاهرة؟ يعود هذا الى تبني الرئيس حسني مبارك اخيرا مشروع تطوير منطقة القاهرة الفاطمية، فتنبهت وزارة الثقافة فجأة الى عدم وجود خريطة أثرية حديثة البيانات لآثار تلك المنطقة، ثم الى وجود آثار غير مسجلة بها، بعضها اخرج من قائمة الآثار خلال الأربعين عاما الماضية من دون سبب مقنع. وهناك سبب اخر يتمثل في عدم توافر الميزانية اللازمة لنزع ملكية هذه الاثار، حتى يتسنى ترميمها واعدادها كمزار سياحي. ويضاف الى ذلك العجز الإداري وضعف المستوى العلمي لمفتشي الآثار وبُعدهم عن ملاحقة ما يحدث من تطورات علمية أو اضافات في مجال عملهم. والقاء نظرة على قائمة الآثار المقترح تسجيلها كفيل بالكشف عن مفاجآت غير متوقعة، إذ منها على سبيل المثال "حمّام قلاوون" الذي يعود الى العصر المملوكي البحري، وواجهة وكالة الغوري في خان الخليلي ومدرسة بيبرس الخياط وهما تعودان الى العصر المملوكي الجركسي، وسقيفة البادستان التي ترجع الى العصر الايوبي، ووكالة زينب خاتون من العصر العثماني وهي معروضة حاليا من قبل ملاكها للبيع، وسبيل خان جعفر وسبيل ابراهيم آغا مستحفظان ويعودان إلى العصر العثماني ايضاً. والى ان يصدر قرار شامل بتسجيل هذه الآثار من اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية في المجلس الاعلى المصري للآثار، أعد مركز معلومات القاهرة التاريخية برئاسة الأثري ايمن عبدالمنعم حصراً شاملاً بمشاكل هذه الآثار، شمل 6 إشغالات حكومية، و211 إشغالاً تجارياً، و45 اشغالاً سكنياً. ويهدف هذا الحصر الى اصدار قرار مع قرار التسجيل بازالة هذه الإشغالات.