سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إسرائيل مقبلة على حقبة جديدة والغموض يكتنف وجهتها السياسية ومستقبل عملية السلام . مرض شارون يغير الخريطة الحزبية ويحول المعركة الانتخابية الى "ثلاثية الرأس"
أفاقت إسرائيل أمس على صباح آخر طوى مع الليل الذي سبقه حقبة مهمة في تاريخها وجاء بحقبة جديدة لا يعرف أحد وجهتها أو يحسن سبر غورها ازاء الضباب الكثيف الذي يحيط بها، لكنها في كل الاحوال ستكون مغايرة لحقبة آرييل شارون العسكري صاحب السجل الدموي والسياسي الذي تصرف في السنوات الخمس الأخيرة تصرف"الحاكم بأمره"، مستغلاً التفافًا جماهيرياً غير مسبوق في حجمه منذ عهد رئيس الوزراء الاول ديفيد بن غوريون. وكان شارون اصيب مساء اول من امس بنزيف حاد في الدماغ واجريت له جراحة دامت سبع ساعات لوقف النزيف. وقال مدير مستشفى هداسا حيث يعالج ان وضع شارون ما زال"حرجا لكن مستقرا"وسيبقى تحت المخدر وعلى جهاز التنفس الصناعي 24 ساعة على الاقل. ولم يذكر مدى التلف الذي أحدثه النزيف في المخ او تقديره للوقت الذي قد يستغرقه للشفاء، في حين قال ان الاطباء سيحرصون على جعل الضغط في المخ عند أقل مستوى ممكن. وكتبت صحيفة"هآرتس"على موقعها على الانترنت ان شارون أصيب بشلل نصفي، في حين استبعد خبراء طبيون أن يخرج شارون من الجراحة من دون خلل خطير في وظائفه الحيوية. وصرح كل من وزير النقل مئير شتريت والنائب روني بار اون بأن شارون"يصارع من اجل البقاء"، وذلك بعد اجتماع قصير للحكومة تسلم خلاله نائب رئيس الوزراء ايهود اولمرت رسميا مهامه رئيسا للوزراء. واكدت الحكومة ان الانتخابات الاسرائيلية ستجري في موعدها في 28 اذار مارس المقبل. واعتبر شتريت ان"اي تأخير سيكون مؤشرا الى فترة من عدم الاستقرار في اسرائيل، وهو امر غير مرغوب فيه". ويتفق الجميع في إسرائيل على ان غياب شارون عن السلطة التي تفرد بها، خلط الاوراق مجددا ويضع اسرائيل على شفا زلزال سياسي يصعب التنبؤ بدرجة قوته. كما يعيد انصراف شارون الحياة الى المعركة الانتخابية التي بدت قبل يومين فاترة ازاء استطلاعات الرأي التي اكدت ان شارون على رأس الحزب الجديد الذي أقامه"كديما"سيحصد أكثر من ثلث مقاعد الكنيست، ما سيمكنه من تشكيل حكومة على هواه بعيداً عن اليمين المتشدد الذي نغّص حياته العام الماضي. وخلط الاوراق يعني أساساً تغييراً جدياً في الخريطة الحزبية في إسرائيل سينعكس حتماً على مجمل الاوضاع في المنطقة خصوصاً على جبهة العلاقات مع الفلسطينيين، فحزب"كديما"مع شارون لن يكون الحزب نفسه من دون مؤسسه، ما قد يحوّل المعركة الانتخابية الى معركة"ثلاثية الرأس"، اي بمشاركة أقوى لحزبي"ليكود"بزعامة بنيامين نتانياهو و"العمل"برئاسة عمير بيرتس. ويبقى السؤال مَن مِن الحزبين الأخيرين سينهش أكثر من المقاعد الكثيرة التي يفترض أن يخسرها"كديما"بعد غياب شارون؟ ويجمع المعلقون الاسرائيليون على ان المنظومة الحزبية ستشهد تغييراً من النقيض الى النقيض على خلفية عدم تمتع اي من اقطاب"كديما"بمزايا شارون في ادارة شؤون الدولة العبرية"فهو الوحيد الذي كان قادراً على ان يحمل على ظهره خطوات دراماتيكية بعيدة المدى ليست خاضعة لإجماع قومي مصطنع"، كما كتب يئير لبيد في"يديعوت احرونوت"، مضيفًا ان مصير شارون سيحدد مصير شخصيات سياسية كثيرة بدءاً بالرئيس محمود عباس ابو مازن وانتهاء بنتانياهو. وكتب كبير المعلقين في الصحيفة ناحوم برنياع ان شارون كان من زعماء اسرائيل القلائل الذين تميزوا بالثقة بالنفس وبرودة الاعصاب والشجاعة التي ابداها خلال رئاسته الحكومة وانه يستحق بجدارة لقب"خليفة بن غوريون". وأضاف ان غياب شارون عن"كديما"يغير جذريًا معالم هذا الحزب"الذي ولد كحزب رجل واحد كان شارون زعيمه ورسالته". وتطرقت معلقة الشؤون الحزبية في الصحيفة سيما كدمون الى الارتباك والبلبلة والعجز التي عمت الدولة العبرية مع بث خبر اصابة شارون بجلطة دماغية حادة"احدثت كوة في عَصَبنا المكشوف: منذ خمس سنوات تدار دولة كاملة حول شخص رجل واحد، آرييل شارون.. صار خلالها اكثر رئيس حكومة شعبيةً منذ اقامة اسرائيل ... شخصية لها مكانة جماهيرية غير عادية". وتابعت ان غالبية الاسرائيليين بمن فيهم معارضون بارزون لشارون وسياسته، ركنت الى حقيقة ان على رأس الهرم رجلاً يمكن الاعتماد عليه في مواجهة اي كارثة قد تحصل. وختمت انه من الآن وحتى موعد الانتخابات في 28 آذار مارس المقبل لن يستطيع احد التكهن بهوية رئيس الحكومة المقبل. وتحت عنوان"نهاية حقبة شارون"، كتب المعلق السياسي في"هآرتس"الوف بن ان"عهد شارون في قيادة اسرائيل بلغ امس نهايته التراجيدية"، مضيفًا ان التغييرات في القيادة ستجعل من السياسة الاسرائيلية لغزًا كبيرًا وتطرح بالتأكيد علامات استفهام وقلقًا في العالم. وختم متسائلاً عما اذا كان وضع شارون الصحي بعد الجلطة الخفيفة التي اصيب بها قبل اسبوعين اصعب مما صوّره اطباؤه،"ما يطرح سؤالاً آخر هو من يسيطر على المؤسسة الامنية ويقر الاجراءات العسكرية في حالات كهذه، وهل يحق للجمهور أن يتلقى اجوبة مناسبة؟". الزعماء السياسيون يصلون من اجله من جهة اخرى ا ف ب، تمنى زعماء سياسيون اسرائيليون الشفاء لشارون، وقال نتانياهو في بيان:"مثل كل الشعب الاسرائيلي، صليت من اجل شفائه". وامر وزراء حزبه الاربعة في الحكومة بارجاء الاستقالة بسبب تدهور صحة شارون. وقال الرئيس موشيه كاتساف:"مع كل الشعب الاسرائيلي، اصلي من اجل رئيس الوزراء واتمنى له الشفاء العاجل". واعرب رئيس حزب"شينوي"العلماني تومي لابيد عبر القناة الثانية في التلفزيون ان"الامة باجمعها، اصدقاؤه ومعارضوه وكل الباقين، حزينون ويتمنون له كل خير وشفاء عاجلا ... انها ليلة عصيبة وامل ان تنتهي من دون حدث مؤلم".