تتزاحم المشاهد في ذاكرة محمد وهو على أعتاب التخرج الذي يعني بالنسبة اليه أكثر من مجرد احتفال يرتدي خلاله"الروب"الأسود ويسير في طابور منظم وصولاً إلى مصافحة راعي الحفل واستلام شهادة مشغولة بقماش المخمل. التخرج في قاموس محمد، وهو واحد من 20 ألف طالب وافد يدرسون في الجامعات الأردنية، ينهي حالة تواصل حقيقي. وتشكل المرحلة الجامعية مفصلاً دقيقاً في تكوين ملامح أكثر نضجاً، فضلاً عن كونها تؤسس لحالة تواصلية ربما تتخطى حاجز سنوات الدراسة وتحفر في أشد مناطق ذاكرتهم اتقاداً. فعندما قضى محمد إسماعيل أربع سنوات في المملكة أصبح فيها "أكثر نضجاً" ، لم يكن يدرك أنها "ستترك ذلك الأثر في شخصيته وهو يعد العدة للعودة إلى وطنه". ويتذكر محمد وهو كويتي الجنسية، أنه"جاء إلى الأردن بناء على نصيحة من جارهم السفير الكويتي السابق في المملكة فيصل مشعان الذي امتدح له مستوى التعليم". ويقول محمد إن"عوامل الاعتدال النسبي لتكاليف المعيشة ورسوم التسجيل وسياسة الباب المفتوح التي ينتهجها الأساتذة تضافرت مع السمعة الأكاديمية في تعزيز رغبته بإكمال الدراسة في الأردن". ويتراوح حجم نفقات معيشة الطالب الوافد ما بين 500 و1000 دولار أميركي شهرياً. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل نفقات الطالب الوافد تصل إلى 11 ألف دولار سنوياً وهو"ضعف الدخل المتأتي من السياحة الطبية". وفور وصوله سارع محمد الى التسجيل في الجامعة، واشترى شقة يقيم فيها تحوّلت مع الوقت إلى مقر لأفراد عائلته الذين يأتون لزيارته، إذ صار الأردن"جاذباً سياحياً"لذوي محمد. ولم يكتف الشاب الكويتي بتحويل خطه الأكاديمي من البحرين حيث كان يدرس قبل التحاقه بجامعة"البتراء"الخاصة، بل لعب أيضاً دور"سفير الوافدين الدارسين في الأردن"، فنقل صورة إيجابية عن الأجواء الجامعية فيها، ما استقطب العديد من الكويتيين لمتابعة دراستهم في المملكة. ثم اتخذ ارتباط محمد بالأردن شكلاً آخر"أكثر استمرارية"، إذ بات يفكر جدياً بتأسيس مشروع استثماري ترفيهي مع شركاء أردنيين. وعلى رغم وجود تفاصيل"غير مرضية"تعكر صفو الدراسة الجامعية في المملكة غير أنها تجعلها أكثر واقعية وقرباً من معترك الحياة. ويرفض محمد تعميم فكرة استغلال الطلبة الخليجيين بوصفهم"صيداً ثميناً"، معتبراً أنها"ممارسات فردية". ويرى أن"تضخيم حوادث اعتداء تعرض لها طلبة خليجيون في عمّان غير مقبول"، ذاهباً إلى أنه"أمر طبيعي قد يتعرض له الطالب أينما كان في أي بقعة من العالم". وتتفق علياء الشمري من الكويت مع محمد مؤكدة أنها"تتمتع بعلاقات جيدة مع الطلبة والأساتذة الأردنيين". وتنفي علياء، التي تدرس في كلية الطب في الجامعة الأردنية،"وجود أي تفرقة في التعامل بينها وبين الطلبة الأردنيين"، مضيفة أنها"تشعر بالأمان في الأردن ولم تتعرض لأي مضايقات سواء في حياتها الجامعية أو إقامتها". وتبدو العوامل التي شجعتها على الدراسة في الأردن مطابقة لتلك التي استقطبت محمد وخصوصاً"السمعة الأكاديمية الحسنة التي تتمتع بها الجامعات الأردنية والرسوم المعتدلة مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة". وتصل الزيادة السنوية في مجموع الطلبة الوافدين للدراسة في الجامعات الأردنية وفق إحصاءات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إلى 8.9 في المئة. ويشكل جذب الطلبة الوافدين استثماراً حقيقياً تسعى الحكومة إلى إنعاشه. واعتبرت استراتيجية التعليم العالي أن رفع عدد الطلبة الوافدين في المملكة إلى 100 ألف طالب وطالبة بحلول العام 2020 هو على رأس الأولويات, وصولاً إلى توفير دخل مالي يقدر بحوالى 929 مليون دينار منها 429 مليوناً يدفعها الطلبة الوافدون رسوماً جامعية، و500 مليون تكاليف معيشة لتتقاضى الحكومة ما قدره 45 مليون دينار ضرائب ورسوماً. وتحض استراتيجية التعليم العالي على زيادة التنافسية في الجامعات الأردنية بالسياحة التعليمية بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي ووزارة التخطيط والجامعات الرسمية والخاصة. وتركز الاستراتيجية على ضرورة مواجهة العراقيل التي تحول دون تحقيق الهدف وتضع العربة أمام الحصان. ذلك ان شكاوى الطلاب الوافدين لا تزال كثيرة. الطالبة البحرينية إيمان عبدالغفار وهي طالبة في الجامعة الأردنية، تشكو مثلاً من"عنصرية التعامل معها كونها طالبة خليجية". وتقول إنها"لم تتأقلم مع الطلبة الأردنيين على رغم مرور عامين على وجودها في المملكة ما يعزز لديها الشعور بالغربة". ويدرس في الجامعة الأردنية نحو 90 طالباً وطالبة من البحرين في برنامج البكالوريوس إضافة إلى 10 آخرين في برنامج الدراسات العليا. وتنتقد إيمان"سؤال طلبة أردنيين لها عن قيمة مصروفها الشهري حتى أن أحدهم سألها عما إذا كانت ثمة بئر نفط في منزلها في البحرين". ولجأت إيمان إلى ملتقى أصدقاء الطلبة الوافدين لتخفف من شعورها بالغربة. وتوافق عائشة العنزي التي تدرس الطب, زميلتها ايمان الرأي وتتحدث عن"وجود تفرقة بين الطلبة الأردنيين والطلبة الخليجيين تحديداً"، لافتة إلى أنها"تتهرب من الكشف عن هويتها الخليجية تجنباً لمضايقتها". وتشير عائشة وهي سعودية إلى أن"بعض الطلبة يرددون على مسامعنا أننا كخليجيين ندرس بفلوسنا ولا نمتلك القدرات الاكاديمية المناسبة للتخصصات العلمية"، موضحة أنها"مصدومة من تعامل زملائها معها بأنانية ورفضهم مساعدتها في مجموعات العمل المخبرية". وتظهر شكاوى الطلبة الوافدين وكأنها إخفاق للجامعة في ممارسة دورها كمسهل لتواصل الجسم الطالبي، وبذل الجهود في سبيل إذابة الحواجز بين الطلبة وصهرهم في بوتقة الحرم. وتبرز أهمية الاهتمام بتقصي ملاحظات الطلبة ودراستها في تأكيد إيمان وعائشة أنهما"تنصحان أقاربهما بعدم الدراسة في الأردن". والواضح أن ما يتناقله الطلبة في ما بينهم أقوى من المحاضرات والندوات وعشرات الكتيبات التشجيعية، إذ في إمكان تلك الأحاديث أن"تؤثر على القرار الشخصي للدراسة في المملكة". ولمواجهة ضعف اندفاع الطلبة على الاندماج، أنشأت الجامعة الأردنية مكتب رعاية شؤون الطلبة الوافدين في عمادة شؤون الطلبة منذ بدء العام الجامعي 2004/2005، وتقوم فكرة المكتب بحسب مديره كمال فريج، على متابعة جميع مشكلات الطلبة الوافدين وحلها بالتعاون والتنسيق مع المستشارين والملحقين الثقافيين في سفارات بلدانهم وتنظيم تشاطات ذات صبغة ثقافية وفنية تجمع ثقافات الطلبة. كما يضطلع المكتب بإعداد ملف إلكتروني لكل طالب يتضمن بياناته، ويعد برنامجاً تعريفياً بالجامعة ومرافقها، ويساعد الطلاب على إيجاد سكن مناسب، وتسوية أوضاعهم القانونية والمتعلقة بالإقامة، فضلاً عن متابعة أدائهم الأكاديمي وأوضاعهم الصحية والاجتماعية. ويعتبر فريج أن"إنشاء المكتب تأخر أكثر من ربع قرن, وهو مهم في تعميق انتماء الطالب الوافد لجامعته بشكل خاص وللمملكة بشكل عام"، مضيفاً أن"المكتب يسعى لأن يتخرج الطالب من الأردن وليس من الجامعة الأردنية فحسب". ويقول فريج إن"المكتب يركز على صهرهم بالجسم الطالبي من خلال تنظيم نشاطات ولقاءات وحوارات مع رئيس الجامعة والملحقين والأساتذة وإجراء دراسات لمتابعة أحوالهم في شتى الجوانب المتعلقة بهم". ويفيد فريج بأن"التأقلم هو أبرز المشاكل التي يعاني منها الطلبة الوافدون"، موضحاً أن"المكتب يتبنى ثلاث آليات لتحقيق هدف الدمج تتلخص في تأسيس ملتقى أصدقاء الطلبة الوافدين، وتنظيم رحلات ترفيهية ثقافية، وترتيب لقاءات مع شخصيات أردنية سياسية واقتصادية واجتماعية". ويخلص فريج إلى أن"تأسيس المكتب يأتي متسقاً مع سعي استراتيجية التعليم العالي لمضاعفة إعداد الطلبة الوافدين إلى 200 ألف طالب بحلول العام 2020". وينتقد طلبة وافدون من الجامعة الأردنية حرمانهم من منصبي رئيس المجلس الطالبي ونائبه، معتبرين أن"ذلك إشارة ضمنية إلى أنهم لا يعاملون على قدم المساواة مع الطلبة الأردنيين". وتنص تعليمات مجلس الطلبة الصادرة بموجب المادة 33 من قانون الجامعة الأردنية رقم 52 لسنة 1972 وتعديلاته على"وجوب أن يكون رئيس المجلس ونائبه أردني الجنسية". في حين أنها لا تشترط في عضوية مجلس الطلبة أن يكون الطالب أردنياً. وفي سياق متصل، يقول مدير دائرة الهيئات الطالبية في الجامعة الأردنية باجس الصليبي إن"المشرّع ارتأى تسليم منصبي رئيس المجلس ونائبه لأردنيين على اعتبار أن مجلس الطلبة يمثل طلبة الجامعة ومنطقياً يشكل الطلبة الأردنيون الغالبية وعليه فإن لهم الأولوية"، مضيفاً أن"الطلبة الأردنيين أقدر على التواصل مع الطلبة وتحسس مشاكلهم وخصوصاً أنها تنسحب على بقية الطلبة أياً كانت جنسيتهم". من هم الطلاب الوافدون؟ بلغ عدد الطلاب الوافدين الى الجامعات الأردنية الرسمية قرابة 8200 طالب وطالبة في درجة البكالوريوس وپ1635 طالباً وطالبة في الدراسات العليا للعام الدراسي 2003/2004. في حين، بلغ عدد الطلبة غير الأردنيين في الجامعات الخاصة للعام نفسه 9574 طالباً وطالبة في البكالوريوس و125 في الدراسات العليا ليصل المجموع إلى 19542 طالباً وطالبة. ويبلغ عدد الطلبة الوافدين الدارسين في الجامعة الأردنية وفق إحصاءاتها الرسمية للعام الجامعي 2004/2005 نحو3090 طالباً وطالبة. ويقف الطلبة الوافدون من فلسطين على رأس القائمة إذ بلغ عددهم في درجة البكالوريوس 671 طالباً وطالبة، وفي الدراسات العليا 100 طالب وطالبة، يليهم الطلبة السعوديون البالغ عددهم 365 طالباً وطالبة في درجة البكالوريوس وپ220 في برنامج الدراسات العليا. ثم يأتي الطلبة اليمنيون البالغ عددهم 184 طالباً وطالبة في مرحلة البكالوريوس وپ في مرحلة الدراسات العليا، يليهم الطلبة العراقيون: 173 طالباً وطالبة بكالوريوس وپ31 دراسات عليا. يأتي بعدهم عرب ال 48: 174 طالباً وطالبة في البكالوريوس وپ25 في الدراسات العليا، ثم الطلبة السوريون 165 طالباً وطالبة بكالوريوس وپ26 دراسات عليا.