الرواية"النسائية"تحتل الآن واجهة الحركة الروائية السعودية. هذا أمر لا بدّ من الاعتراف به، خصوصاً بعد السجال الكبير الذي أثارته رواية رجاء صانع"بنات الرياض". لكنّ هذا الأمر لا يعني أن الرواية النسائية هي أهم من الرواية التي يكتبها الذكور أو أنها تخطت التجارب التي رسّخها روائيون مثل غازي القصيبي وتركي الحمد وعبده خال وسواهم. وقد يبدو معيباً الكلام عن رواية"نسائية"وأخرى"ذكورية"في حقبة حداثية وما بعد حداثية تجاوزت هذا"التمييز"الذي يمكن وصفه ب"العنصري". لكن ظاهرة الرواية"النسائية"في السعودية فرضت نفسها كعمل ابداعي مختلف سواء من ناحية"الموضوعات"الجريئة التي خاضتها الروائيات أم من جهة التقنية السردية ومعها اللغة والأسلوب... وبعد النجاح الهائل الذي حظيت به رواية"بنات الرياض"وهو لا يخلو أصلاً من الصدفة أو"الحظ"، بات ممكناً الكلام عن رواية"نسوية"سعودية جديدة. فرواية"بنات الرياض"تتفرد كثيراً ب"الطبع"الانثوي ليس لأن كاتبتها أنثى شابة فقط بل لأنها أيضاً تخوض العالم النسائي كاشفة الكثير من اسراره وملقية ضوءاً ساطعاً على"أحوال"هذا العالم المضطرب.قد تستحق رجاء صانع هذا النجاح الاعلامي الكبير وهذا الرواج في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً. وقد يحقّ للأصوات المعترضة أن تشجب هذا النجاح وأن تصفه ب"غير الطبيعي"وتعزوه الى أسباب لا علاقة لها بالفن الروائي آخذة على الكاتبة الشابة أخطاء كثيرة في البناء واللغة... ولكن يصعب فعلاً تجاهل هذه الظاهرة الروائية الفريدة التي استطاعت أن تطغى على"تراث"روائي ما زال قيد التشكل. فالرواية السعودية، كما يقول الناقد حسن النعمي"تحتاج الى خمسين سنة أخرى للنضج الكامل". لقد طغت"بنات الرياض"على روايات عدة صدرت في الحين نفسه وأولاها رواية"ستر"البديعة للكاتبة رجاء عالم. هذه الرواية التي تدور في جو واقعي، سياسي واجتماعي هي أعمق وأهم من رواية"بنات الرياض". ولعلها المرة الأولى تخرج فيها رجاء عالم من المناخ الميتولوجي لتعالج قضايا الواقع السعودي بعمق ووعي. ناهيك بروايات أخرى لروائيين معروفين مثل عبده خال ويوسف المحيميد وسواهما، ويجب عدم اغفال رواية"ملامح"للكاتبة المجددة زينب حفني. إلا ان"بنات الرياض"كانت فاتحة سلسلة من الروايات النسوية الجديدة ومنطلقاً لأعمال روائية أنثوية لا تخلو من الجرأة. ولا أدري إن كان ممكناً القول ان روائيات سعوديات شابات بدأن ينسجن على منوال رجاء صانع... رواية"القران المقدس"التي صدرت في البحرين لكاتبة روائية تحمل اسماً مستعاراً هو"طيف الحلاج"قد تكون واحدة من الروايات التي تحمل جرأة"بنات الرياض"، فهي تفضح بعض"المستور"في المجتمع أو بعض"المسكوت عنه". وخلال أيام تصدر عن دار"الساقي"رواية سعودية"انثوية"جريئة جداً وقد تفوق جرأتها جرأة"بنات الرياض"وعنوانها"الآخرون"وصاحبتها شابة في مقتبل العقد الثاني وتدعى صبا الحرز. هذه الرواية تدخل بدورها العالم الداخلي والحياة الخفية للمرأة ساعية الى اثارة ما يشبه الفضيحة الاجتماعية. وتتردد دار"الساقي"أيضاً حيال رواية"نسائية"أخرى وصلتها وعنوانها"الأوبة"ورفضت صاحبتها إشهار اسمها تبعاً لفضائحية الرواية. وهي حتى الآن لم تختر الاسم المستعار الذي ستتوارى وراءه. ترى ماذا يحدث في الحركة الروائية"النسوية"السعودية الآن؟ هل هي عدوى"بنات الرياض"تنتقل الى روائيات شابات فيقتحمن عالم الكتابة بجرأة واضحة؟ أم انه أثر رجاء صانع في"الزميلات"اللواتي كنّ ينتظرن اشارة ما ليمضين في كتابة أخرى، مختلفة عما قرأنه من اعمال سعودية وعربية؟ هل يمكن وصف هذه الظاهرة الروائية"النسوية"في السعودية ب"الفورة"او"الموضة"أم ان الاعمال"النسائية"هذه ستكون مفتتحاً لعهد جديد في الكتابة الروائية السعودية؟ مثل هذا السؤال سيظل بلا جواب حتى تنجلي السحابة الغامضة عن الروايات"النسائية"التي تحتل الآن الساحة الروائية في السعودية.