اختتمت في برلين فعاليات المؤتمر الثاني والسبعين لجمعية الأدباء الدولية، وشارك فيه قرابة 450 كاتباً من أنحاء العالم. أقيم مؤتمر هذا العام تحت شعار"الكتابة في زمن يفتقد السلام"، وتحدث في افتتاحه الرئيس الألماني هورست كولر عن دور الكتاب في تحرير الناس من طغيان الحكام، مُذكراً في الوقت نفسه بأن الشعراء هم الذين يدبجون المدائح البليغة لأبشع المستبدين. أما حامل نوبل الروائي الألماني غونتر غراس فألقى - كعادته - خطاباً سياسياً، اتخذ فيه موقفاً صريحاً ضد حرب العراق والسياسة الأميركية، ومُذكراً زملاءه بدورهم في مناهضة الظلم. خطاب غراس يمكن اختصاره في كلمتين:"لا للحرب"، وهو يتحدث هنا انطلاقاً من الخبرة التي طبعت حياته الطويلة من مواليد 1927. يقول صاحب"الطبل الصفيح":"كنت في السادسة عشرة من عمري عندما جُندت في الجيش. في السابعة عشرة تعلمت الخوف. وظللت أؤمن حتى الختام بالنصر النهائي، بعد أن أمسى كل شيء حطاماً ورماداً. منذ ذلك الوقت لم تغادر أشباح الحرب رأسي، حتى في فترات الاستراحة من الحرب، تلك الفترات التي يسمونها سلاماً". في كلمته هاجم مؤلف"ثلاثية دانتسيغ"أطرافاً كثيرين: الألمان والأوروبيين والأميركيين وزملاءه الكتاب. يرى غراس أن أوروبا تستفيد اقتصادياً من القمع والمجاعات والحروب في دول العالم الثالث. أما الكتاب فهو يحذرهم بألا يلتحفوا برداء الصمت، قابعين في برج فكري عاجي، معتبرين أن السباحة في بحر السياسة القذر تفسد نقاء الأدب."إن على الأديب - يضيف غراس - أن يكتب ما لن يجده القارئ في أي إحصاء ولا في أي كتاب من كتب التاريخ". ثم اقتبس حامل نوبل فقرات طويلة من الكلمة التي ألقاها الكاتب البريطاني هارولد بنتر أمام الأكاديمية السويدية العام الفائت أثناء تسلمه جائزة نوبل، محيياً زميله على شجاعته وموقفه الصريح إزاء الحرب على العراق، على رغم كل الزوابع النقدية التي أثيرت حوله. وتساءل غراس مع الكاتب البريطاني: كم هو عدد البشر الواجب قتلهم حتى يستحق المرء صفة"سفاح"وپ"مجرم حرب"؟ ويضيف غراس:"ليس هذا السؤال بلاغياً، فهو يكشف عن موقف الغرب المنافق في إحصاء الضحايا". ويضيف:"صحيح أننا نحاول بدقة مُحاسب أن نعد القوائم التي تصم أسماء ضحايا الضربات الإرهابية - وعددهم يصيب ولا شك بالرعب - ولكن لا أحد يحصي الجثث التي تخلفها القنابل والصواريخ الأميركية، لا في حرب الخليج الثانية ولا الثالثة، أما الأولى فخاضها صدام بمساندة الولاياتالمتحدة ضد إيران. إن التقديرات الجزافية تصل إلى مئات الآلاف... وهكذا فإن التقديرات الغربية لا تفرق في المعاملة بين الأحياء فحسب، بل تقسم الموتى أيضاً درجات، أولى وثانية وثالثة، مع أنهم جميعاً ضحايا الإرهاب المتبادل". ويستطرد غراس قائلاً:"إن بينتر ضرب بكلمته مثالاً على ما يمكن أن يفعله الكتاب في"زمن يفتقد السلام". فمهمة الكتّاب أن يقوموا بإحصاء مغاير، بعيداً من الانحياز إلى طرف من دون آخر، إحصاء يشمل العدو والصديق، المرأة والطفل، وكل تلك الأعداد الغفيرة المطمورة في الثرى بلا اسم أو هوية. على الكاتب أن يوجه الأسئلة غير المريحة: من أراد هذه الحرب؟ ما هي الأكاذيب التي غطت على أهدافها الحقيقية؟ من ربح من ورائها؟ من ورّد الأسلحة الفتاكة لمن؟ ومنذ متى ونحن نشارك في هذه الحرب؟" بهذه الأسئلة المباشرة والكلمات الواضحة أنهى غونتر غراس كلمته أمام الكتاب، وحصد تصفيقاً طويلاً من زملائه.